&حسن قايد الصبيحي

تنتقل الأزمة الأميركية الإيرانية من مرحلة التهديد والتهديد المضاد إلى مرحلة الصدام المباشر والاندفاع إلى مفترق طرق، فإما الخضوع الإيراني للشروط الأميركية وعودة إيران إلى حجمها الحقيقي، أو الاستمرار في العناد الذي يتوقع أن تمضي الديكتاتورية الإيرانية إلى نهاية مأساوية أقلها سقوط النظام بشكل تلقائي على يد شعبه، ومن ثم الحفاظ على مقومات الدولة الإيرانية ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية وهذا أجدى لمستقبل إيران، أو أن تكابر المؤسسة الدينية بالتمسك بوصايا الأموات وتعاليم الخميني المكرسة لتصدير (الثورة) وتحقيق النهج الذي ورثه الخميني عن حركة «الإخوان»، رغم كونها عجزت في عقر دارها في مصر وتلقت هزيمة ساحقة تشير كل الدلائل على ألا يكون لها مستقبل بعد الْيَوْمَ، فقد أخذ الملالي الإيرانيون على عاتقهم مهمة قيام إمبراطورية إسلامية بنكهة فارسية لا تخطئها العين، لتحقيق أحلام الفكر «الإخواني» رغم اختلاف المذهب ورغم العداء المستحكم بين ما تمثله المؤسستان من تناقض كل على حدة.


قد يكون الصراع الأميركي يتمحور حول شروط أميركية لعودة إيران إلى حجمها الحقيقي وحدودها الدولية المعترف بها دولياً، وتنزع عن نفسها الطموح الإمبراطوري الواهم وتتخلى عن سلوكها الصلف وطموحها في الهيمنة على الشرق الأوسط بما ينطوي عليه من أهمية استراتيجية قصوى يختزن تحت ثراه ثلثي الاحتياطي النفطي، وبما يمتلكه من طاقة شرائية هائلة، وبما يميز بحاره ًمن ممرات استراتيجية ومضايق حيوية كهرمز وباب المندب وقناة السويس، وزاد الأمر سوءاً أن إيران لا تنفك عن التهديد بقطع شريان التجارة الدولية غير عابئة بالأخطار المحدقة التي تمضي إيران وبلا هوادة في إزعاج شعوب المنطقة وتهديد للاقتصاد العالمي وبالأمن والاستقرار الدوليين.&


أما الجانب الأميركي فقد تمكن ترامب وإدارته الذكية من توريط إيران ودفعها إلى ارتكاب أخطاء استراتيجية تقودها إلى حافة الهاوية وانكشاف عورتها السياسية أمام العالم، والاقتراب من الانهيار. فقد أحكمت واشنطن& الخناق على رقبة النظام الإيراني، وكلما اقتربت ساعة الصفر التي حددها ترامب لمنع الصادرات النفطية الإيرانية زاد جنون المؤسسة العسكرية الإيرانية، وارتفعت نبرة التهديدات بإنهاء الوجود الأميركي في المنطقة وإنهائه من جذوره، في وقت نرى صمتاً إيرانياً مطبقاً على الاعتداءات الإسرائيلية وسكوتها على الضربة تلو الضربة للقواعد العسكرية الإيرانية في سوريا، مكتفية بالبيانات الكاريكاتورية الصادرة من نظام الأسد التي تعلن عن سقوط الصواريخ الإسرائيلية بالدفاعات السورية التي ما أسقطت ذبابة، فالتقارير المحايدة تتحدث عن تدمير القوات الجوية الإسرائيلية لكل الأهداف التي تحددها في مرمى نيرانها. وهو أمر يؤكد نجاح أميركا في جر إيران إلى مستنقع سوريا لتصفية القوة النخبوية لإيران وإجبارها على ترك سوريا هرباً من الضربات الإسرائيلية، وقد نقلت التقارير الخاصة سحب إيران لجزء كبير من قواتها المرابطة في سوريا ثقة منها بأنها إذا تأخرت أكثر من ذلك، فلن يعود جندي إيراني إلى بلده سالماً.&


إننا على ثقة بأن إيران وبما أنفقته من أموال ورجال بسبب حمايتها لسوريا تدفع ثمنه غالياً، تخيلوا مقدار الخسائر المالية التي تتكبدها الخزينة الإيرانية في سوريا الآن، هناك أكثر من 150 ألف عنصر من المليشيات بعضها إيرانية وأغلبها مرتزقة يحصل كل فرد منهم على ما بين 350 و400 دولار شهرياً، وأترك الحساب النهائي للقارئ لوضع التقديرات النهائية للأموال الإيرانية المهدرة لقتل الشعب السوري خلال سنوات الحرب، لا بد أن حالة الإفلاس التي يكابد الاقتصاد الإيراني تداعياتها الآن أتت بفعل هذا الصلف الذي دمر القدرات الذاتية الإيرانية.
ووفق مقتضيات الحال دعوناً نسوق مثالاً على التهور الإيراني مقابل الذكاء الأميركي. فقد وضعت إيران في أولوياتها الاستراتيجية خطة طموحة لتخزين عشرات البلايين من براميل النفط استعداداً للمواجهة المُحتملة عند نشوب حرب طويلة المدى مع أميركا وحلفائها في المنطقة، ظناً منها بأن هذا الاحتياطي سيجبر أميركا على التفكير مرتين لشن عدوان على إيران. وفي المقابل كان الأميركيون يبحثون عن سيناريو لإفساد الخطة الإيرانية وتغلق الباب على المخزون الإيراني وتحوله إلى رصيد جامد لا يخرج من مخازنه السرية، فأعلنت نيتها ضرب حصار على مبيعات النفط الإيراني لأصدقاء إيران ودفع مستوردي النفط الإيراني للبحث عن بدائل من مبيعات دول نفطية أخرى، وقد تكون هذه الدول من أشد المعارضين للسياسة الإيرانية.&


مثال آخر على الغباء الإيراني، فقد حرصت طهران على البحث عن مصادر أخرى للدخل لا يعتمد على العائدات النفطية، وحققت معدلات وصلت بها إلى رفع معدلات الصادرات غير النفطية إلى 60% من مجمل صادراتها مقابل 40%? من عائدات المبيعات النفطية. وكان هذا الدخل يأتي من المنتجات الزراعية بشكل أساسي. كانت الميكنة الزراعية تعتمد على الآلات المصنعة في أميركا ودوّل غربية أخرى، فإذا بهذه الآلات الزراعية تخضع للحصار وتتدنى الواردات الحيوية لها، وأفضى ذلك إلى تعطيل الإنتاج في القطاعات الحيوية غير النفطية وهلم جرا. ويتوقع الخبراء أن يسفر ذلك عن هجرة جماعية لسكان الريف إلى المدن، وقد بدأت إرهاصات هذه الحالة عبر الشكوى من ازدياد العشوائيات على حواف المدن الإيرانية، وبروز أزمة البطالة في دولة الملالي.
وبالإمكان القول إنه لا قطر ولا روسيا ولا تركيا تستطيع نجدة إيران، فكل منهما لديه معاناته الاقتصادية الخاصة التي لا تمنحه القدرة على إنقاذ نظام الملالي، وحتى الصين العملاق الاقتصادي لديها أسلوبها البراجماتي للتعامل مع الدول حليفة كانت أو صديقة. الصينيون يقايضون إيران بالنفط مقابل الاحتياجات السلعية الأخرى، وإيران هي الخاسرة في نهاية المطاف.

&