&وحيد عبد المجيد

قد يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس حالماً حين يرحب بكونفدرالية مع الأردن وإسرائيل، وربما يبدو كما لو أنه يغامر سياسياً عندما يُبشر بالتحول من سلطة حكم ذاتي إلى دولة خلال أسابيع. كلام عباس عن كونفدرالية ثلاثية نشرته وبثته وسائل إعلام إسرائيلية في الثاني من الشهر الجاري، نقلاً عن نشطاء سلام التقوه، وقال لهم إنه أبلغ مبعوث الرئيس دونالد ترامب موافقته عليها إذا قبلتها تل أبيب. أما اعتزامه اتخاذ قرار التحول من سلطة حكم ذاتي إلى دولة، فتحدث عنه خلال لقائه أعضاء المجلس المركزي لمنظمة التحرير الشهر الماضي، إذ قال إنه سيلتقيهم مجدداً بعد كلمته في الأمم المتحدة لاتخاذ ما وصفه بأنه «أم القرارات».
ولا يوجد تناقض من حيث المبدأ بين الحلم بكونفدرالية ثلاثية، والتطلع إلى التحول من سلطة إلى دولة. يقوم نظام الاتحاد الكونفدرالي في أصله على اتفاق بين دولتين أو أكثر على إطار واحد يحقق مصالح ومنافع مشتركة للجميع، دون أن يؤثر على المقومات الأساسية لكل دولة.


المعضلة، إذن، ليست في عدم الانسجام بين الحديث عن كونفدرالية وعن دولة فلسطينية، في آن معاً، بل في تعذر تحقيق أي منهما. فكرة الكونفدرالية ليست جديدة في السياق الفلسطيني، لكن جديدها في طرح عباس أنها ثلاثية. تُرحب إسرائيل بإقامة كونفدرالية، لكنها ثنائية تقتصر على الأردن وجزء من الضفة الغربية. وليس متصوراً أن تقبل كونفدرالية ثلاثية بأي حال. ترحيبها بكونفدرالية ثنائية يعود إلى رغبتها في تجنب إعلان دولة فلسطينية، وإلحاق جزء من الضفة الغربية بالأردن. وفي هذه الحالة تتولى الحكومة الأردنية إدارة الأوضاع الأمنية في الضفة وفق التصور الإسرائيلي.
ولأن هذا التصور واضح، ترفض الحكومة الأردنية خيار الكونفدرالية عموماً، وتخشى أن يكون مجرد غطاء لما يُطلق عليه «الوطن البديل». وقد جددت المتحدثة باسمها، جُمانة غنيمات، هذا الرفض تعليقاً على ما نُشر في وسائل إعلام إسرائيلية منسوباً إلى عباس، وجددت دعم الأردن إقامة دولة فلسطينية.


الكونفدرالية الثلاثية، على هذا النحو، ليست ممكنة، ولا يمكن تصور أن تقبلها إسرائيل في ظل ميزان القوة الراهن. لكن هل القرار، الذي أسماه عباس «أم القرارات» ممكن؟ ربما تكون فرصته أكبر نسبياً مقارنة بإقامة كونفدرالية ثلاثية. لكن الفرق بين الحالتين محصور في أن عباس يستطيع اتخاذ قرار التحول من سلطة حكم ذاتي إلى دولة من دون قبول إسرائيل، لكن هذا القرار ليس سهلاً بأي حال، وسبق أن نُوقش في اجتماعات فلسطينية على مستويات عدة، وتم التراجع عنه لعدم توافر مقوماته. وليس هناك ما يدل على أن هذه المقومات صارت موجودة الآن. فهذا القرار يعني إلغاء اتفاق أوسلو، الذي تستمد السلطة الفلسطينية شرعيتها منه، الأمر الذي ينطوي على مخاطرة بخسارة قوى دولية تقف إلى جانب الفلسطينيين، حتى وإن لم تكن مستعدة لفعل شيء لمساعدتهم.
كما أن إلغاء اتفاق 1993 يعني أن كل ما ترتب عليه سيكون لاغياً، بما في ذلك ترتيبات اقتصادية ومالية صارت حياة نحو أكثر من مليون فلسطيني في الضفة مرتبطة بها. وليس لدى القيادة الفلسطينية بدائل لهذه الترتيبات.


وهكذا، فبين حلم كونفدرالية ثلاثية مع الأردن وإسرائيل، ومغامرة التحول من سلطة حكم ذاتي واضحة معالمها إلى دولة مجهولة ملامحها ومصيرها، أصبحت قضية فلسطين في أضعف مرحلة مرت بها في تاريخها. القضية أضعف الآن مما كانت عليه منذ نكبة 1948، بعد أن بدا لعقود أنها تستطيع الإفلات من استحقاقات تحولها إلى ساحة لعبت عليها أطراف عربية وإقليمية عدة لتحقيق مصالحها.
لكن القضية، التي بدا أنها صامدة، خسرت كثيراً في مسارها الطويل. وتراكمت خسائرها حتى بلغت ذروتها، ولم يعد لدى أصحابها المنقسمين الغارقين في صراعاتهم أي خيار مؤثر في مسار الصراع. وفي تبحث قيادة حركة «حماس» عن غطاء يحفظ ماء الوجه حين توقع اتفاق تهدئة كانت تعتبره استسلاماً، وتفضل تسليم أمرها إلى إسرائيل وليس إلى السلطة الفلسطينية، تطرح قيادة هذه السلطة خيارين أحدهما حالم، والثاني مغامر.
والمهم، الآن، ألاَّ يؤدي الاستيقاظ سريعاً من حلم الكونفدرالية إلى خوض مغامرة قد تعصف بما بقي من القضية، إذا اتُخذ قرار انفعالي أو غير مدروس يؤدي إلى حل السلطة، وإلغاء اتفاق أوسلو، من دون رؤية واضحة لما يترتب عليه.

&