&أحمد الصراف&

&لم يحب أو يثق الكويتيون، أسرة حاكمة وشعبا، بأي بريطاني أو أميركي في تاريخهم، كما وثقوا وأحبوا أطباء الإرسالية الأميركة، وأزواجهم، الذين قدموا الى الكويت في نهاية العقد الأول من القرن الماضي، إضافة إلى محبتهم واعتزازهم بهارولد ديكسون Harold Richard Patrick Dickson، الذي عمل مقيماً سياسياً لبريطانيا في الكويت، في الفترة من 1929 وحتى 1936، والذي اختار، وزوجته الرائعة فيوليت، البقاء فيها بعد انتهاء مهامه الرسمية، حيث توفي عام 1959 عن 87 عاما ودفن في مقبرة بمدينة الأحمدي، قبل أن تنقل رفاته الى حديقة السفارة البريطانية بعد التحرير، والسبب، كما أخبرني الصديق الفلكي عادل حسن يعود الى تأثر قبور المقبرة بآثار النفط، الذي خرج من الآبار التي قام «غبي العصر» صدام بتفجيرها قبل انسحاب قواته من الكويت. كما عاشت زوجته فيوليت، مواليد 1896 في الكويت، يوم لم تكن فيها أي وسائل راحة ولا كهرباء ولا ماء، هذا غير الحر الشديد صيفا والبرد القارس شتاء.


عاشت فيوليت بيننا 61 عاما، وكتبت عن الكويت أكثر من كتاب، منها مذكراتها، ودفعها حبها للكويت والعرب لتسمية ابنها البكر بسعود وابنتها زهرة، ولحسن حظها لم تكن في الكويت خلال فترة الغزو والاحتلال الصدامي العراقي، بل في إجازة في إنكلترا، حيث توفيت ودفنت هناك، وسبق أن قمت قبل بضع سنوات بمشاركة الصديق الفلكي عادل بوضع إكليل على قبر زوجها ديكسون في حديقة السفارة البريطانية.
ولد هارولد ديكسون في 4 فبراير 1881 في بيروت، حيث كان والده يعمل قنصل بريطانيا العام في القدس. وبالرغم من أنه كان عسكريا، وخدم في أكثر من موقع، واصبح ضابطا رفيعا، فإنه اشتهر كدبلوماسي وسياسي ومؤرخ، حيث وضع عدة مؤلفات تعتبر اليوم مراجع مهمة، سواء ما تعلق منها بتاريخ الكويت، أو بعلاقتها مع جيرانها، أو ما تعلق بحياة البدو في الكويت وفي شبه الجزيرة العربية.


تلقى ديكسون تعليمه في مدرسة بمدينة اوكسفورد، ثم أكمل تعليمه في كلية وادهام في جامعة المدينة نفسها، وانضم عام 1903 الى سلاح الفرسان البريطاني، وبقي حتى 1915. بسبب معرفته بمنطقة الشرق الأوسط، تم نقله للعمل في الإدارة السياسية في وزارة الخارجية، حيث عين تاليا وكيلا سياسيا في الناصرية ثم البحرين، ثم وكيلا سياسيا في الكويت، وكان ذلك عام 1929 وبقي في منصبه حتى تقاعده عام 1936 ليصبح ممثلا محليا أعلى لشركة نفط الكويت حتى وفاته.
خدم في الهند، ثم في سلاح الفرسان في العراق عام 1914، وشارك في العمليات التي أدت إلى الاستيلاء على البصرة. وعندما انتقل الى الخارجية كان تحت امرة السير بيرسي كوكس، الذي كان له دور سلبي معروف في تحديد حدود الكويت الحالية.


بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى انتقل ديكسون للعمل في البحرين كوكيل سياسي بريطاني، ثم عاد الى الهند عام 1923 ليعمل سكرتيرا لمهراجا بيكانير، قبل ان يصبح الوكيل السياسي البريطاني في الكويت.
يعتبر البيت الذي أقام فيه ديكسون وأسرته خلال وجوده في الكويت من أجمل مباني العاصمة القديمة. وكانت فيوليت ديكسون تسكن ذلك البيت حتى مغادرتها له قبل الغزو العراقي بقليل. وقام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1992 بتحويله الى متحف تاريخي جميل يستحق الزيارة بالفعل.