&خالد السليمان

خلال تواجدي في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، كان هناك 20 سعوديا من شباب وشابات مركز الملك سلمان للإغاثة، و11 من مؤسسة مسك الخيرية، و13 متطوعا من الأطباء والطبيبات والأخصائيين الذين يعملون داخل المخيم ضمن برامج ونشاطات خدمة اللاجئين السوريين وتلبية احتياجاتهم ورعايتهم صحيا وتعليميا واجتماعيا !

كان المركز السعودي الذي يضم عيادات طبية تخصصية ومرافق تعليم وتدريب أشبه بخلية النحل الذي لا تهدأ حركته، فالمركز الطبي يستقبل يوميا أكثر من 600 مراجع في عيادات لمختلف التخصصات الطبية، تضم أحدث الأجهزة الطبية ومختلف الأدوية، وهناك العشرات من الملتحقين بورش تدريب واكتساب مهارات الطبخ والخياطة واستخدام الحواسيب للتأهيل لاكتساب لقمة العيش، بينما كانت فصول الرسم والأعمال الفنية أشبه بحديقة أزهار لا يكف الأطفال فيها عن الانتقال من زهرة إلى زهرة كالفراشات السعيدة !

في المجمع التعليمي السعودي كان هناك مئات من الأطفال يتلقون تعليمهم في فصول يتمسك معلموها بالأمل بأجيال ستعود يوما لتعيد بناء وطنها، كل من سألته من الأطفال عما يريد أن يكون عليه عندما يكبر كان يجيب: طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو معلما، باستثناء واحد قال إنه يريد أن يكون عارضا (مودل)، وحتى هذا الجواب يدل على أن الأمل الجميل يسكن نفسه بمستقبل مختلف !

الحقائب المدرسية التي يتم تقديمها للأطفال لم أجدها مختلفة في أناقتها وجودتها عن الحقائب التي يحصل عليها أطفالي من مدرستهم الأهلية هنا في الرياض، بينما تميزت الفصول بمساحاتها المتناسبة مع أعداد الطلاب وجودة تجهيزاتها !

المركز السعودي بكل مرافقه ونشاطاته الصحية والتعليمية والاجتماعية لا يكتفي بتقديم خدماته للاجئين السوريين، بل إنه يوفر فرص العمل للمؤهلين منهم من الأطباء والمعلمين وأصحاب المهارات !

وبقدر الاعتزاز بما يقدمه وطني من دعم سخي لتخفيف معاناة وتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في المخيم، كان الاعتزاز والفخر بأبناء وبنات وأطباء وطبيبات وطني الذين قابلتهم ورأيتهم هناك وهم يعملون بكل الحب والبشر لأداء واجباتهم الإنسانية تجاه إخوة لم يكن لهم حول ولا قوة في المعاناة التي يعيشونها !

للحظات طويلة كنت أقف بعيدا أتأمل ما يعمله شباب وفتيات مركز الملك سلمان للإغاثة ومؤسسة «مسك»، فأجد وجوه الأطفال الباسمة مرآة صادقة لما يبذله هؤلاء الشباب والفتيات من جهود نبيلة لانتزاع الحزن والقلق من تلك النفوس الغضة وزرع السعادة والأمل مكانها !

عند وداعي للدكتور عبدالله الربيعة المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة عائدا إلى الرياض، وكان هو ذاهبا إلى «إربد» للمزيد من العمل الإنساني، قلت له إنني وقد كنت أظن أنني ممن يطوعون الكلمة، أقف أمامه عاجزا عن التعبير عن مدى اعتزازي وفخري بالجهود التي يبذلونها للمسح على جروح إخواننا السوريين، والتخفيف من آلام غربتهم ومعاناة كربتهم وتلبية حاجتهم !

لقد كانت أياما لن تمحى أبدا من ذاكرتي، لامست فيها المأساة وسمعت نبضها، وشعرت بالزهد بالحياة وملذاتها أمام بساطة احتياجات الآخرين وتواضع طلباتهم، فلم تزد مطالب جميع الأسر التي زرناها في مساكنها المتواضعة عن لوح طاقة شمسية يوفر لهم ساعة من الكهرباء أو تلفزيونا صغيرا يفتح لهم نافذة على عالم خارجي كادوا ينسون ملامحه !