فاروق جويدة 

كنت ومازلت أعتقد أن العلاقات بين مصر والسودان تختلف تماما عن العلاقات بين دول الجوار، أو لغة المصالح، أو ما يطلقه أصحاب الاستراتيجيات من مفاهيم غامضة.. إن مصر والسودان قطعة واحدة من الأرض أى إنها جسد واحد، وان اختلفت الهموم والأحلام والرؤى..

السودان ليس ككل البلدان فى علاقات مصر ولهذا يجب أن يكون الحوار على مستوى الأهمية والمسئولية والموقع..منذ فترة طويلة والعقلاء فى البلدين يحذرون من هذه الهوجة التى تجتاح عقول البعض وتشوه العلاقات، وتغرس الفتن وفى مصر فريق لايرى أهمية كبرى للسودان، وفى السودان فريق لا يحب مصر ولا المصريين ومن هنا كانت هناك دعوات مغرضة أن تتجه مصر شمالا فليس فى الجنوب غير التخلف وان يتجه السودان إلى جذوره فى إفريقيا فهى أكثر تقديرا، وقد سيطرت على سلطة القرار فى مصر والسودان معا حساسيات لا يعرف أحد أسبابها وقد وصلت أحيانا إلى التراشق بالنيران فى مناسبات كثيرة، والأخطر الآن هو التراشق الإعلامى البغيض الذى لا تراعى فيه مصالح الشعوب وأقدار البشر..

إن السلطة أى سلطة زائلة مهما طال بها البقاء والشعوب هى التى تدفع الثمن دائما ونحن فى فترات كثيرة أهملنا السودان الجوار والأهل والسند وتنقلنا بين علاقات دولية كثيرة افتقدت الندية والتوازن رغم أن السودان كان الأحق والأجدر بأن نبنى معه مستقبل بلدين، وليس بلدا واحدا.. إن خيرات السودان وأرضه وثرواته تكفى العالم العربى كله.. ومصر بقدراتها وثرواتها المنهوبة تكفى لبناء أوطان متقدمة، ولكن أشياء صغيرة غيرت المسارات وأجهضت الأحلام حتى صار السودان أكثر من وطن وعبثت به الحروب الأهلية فى أكثر من مكان، رغم انه بكل الحسابات دولة كبرى فى كل المجالات.. أرجو أن نعالج الأمور بين القاهرة والخرطوم بشئ من الحكمة بعيدا عن عنتريات بعض المسئولين الذين يبحثون عن دور وسط ركام أحلام شعوب تمزقت بين الجهل والارتجال وغياب المسئولية.. لا أتصور السودان إلا فى قلب كل مصرى.. ولا أتصور الكنانة إلا فى قلب الملايين من أشقائنا فى السودان.. قليل من الحكمة قبل أن يجرفنا الطوفان.