هادي اليامي

التقارب الكبير بين البلدين ليس ناتجا عن مواقف سياسية مبنية على المصالح المشتركة، بل إنه مرشح بقوة للانتقال إلى الجانب الشعبي والتشريعي

اكتسبت زيارة رئيس مجلس النواب المصري، الدكتور علي عبدالعال وعدد من أعضاء المجلس إلى الرياض أهمية كبيرة، ذلك أنها جاءت في وقت تشهد فيه العلاقات بين السعودية ومصر تميزا كبيرا، وتطابقا في وجهات النظر حيال كافة الملفات، الثنائية منها والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسعيا مستمرا لصيانة الأمن القومي العربي، وانعكس هذا التفاهم في تناغم مواقف قيادتي البلدين، إضافة إلى تأكيد المراقبين أن هذه العلاقات لن تظل فقط على هذا النسق المتقدم، بل يتوقع أن تشهد مزيدا من التلاحم والتعاضد. 
ولا تقتصر عناصر التميز فقط على الجانب الإستراتيجي والتنفيذي الذي تقوده حكومتا البلدين، بل إن المجال الأقرب للتطور يتمثل في المجال التشريعي، ففي إطار سعي البلدين إلى تطوير مؤسسات الحكم، وتوسعة قاعدة المشاركة الشعبية، يتزايد الرهان على مجلس الشورى السعودي ومجلس الشعب المصري، لأنهما يعبران عن نبض جماهير الشعبين، ورغبتهما في تبادل الخبرات ونقل التجارب، فكما أن التجربة البرلمانية المصرية من أعرق التجارب في العالم العربي والمنطقة بشكل عام، استنادا إلى تاريخ بدايتها، فإن مجلس الشورى السعودي قطع بدوره شوطا كبيرا في صقل تجربته، من واقع الكفاءات النوعية التي يضمها بين عضويته، والإمكانات الكبيرة المتاحة له، وانفتاحه على تجارب العديد من الدول التي سبقته في مجال العمل البرلماني.
إذا من واقع تلك المعطيات، ونظرا لما تواجهه المنطقة العربية من مخاطر محدقة، في هذه الفترة العصيبة التي تشكل منعطفا فارقا في تاريخها، فإن المنطق والمصلحة والحاجة تقتضي تقارب البلدين وتعاضدهما، وتنسيق العمل المشترك بينهما لما فيه مصلحة المنطقة برمتها، ومما يثلج الصدر أن القيادتين تدركان هذه الحقائق جيدا، ومقتنعتان بأن بلديهما يمثلان جناحي الاستقرار وصمام الأمان للمنطقة العربية، وهو ما يتجلى في مواقفهما المتناسقة والمتسقة. 
ومع أن العلاقة بين البلدين اتسمت على مدار عقود طويلة خلت، بالتفاهم والتعاون، إلا أن الموقف السعودي القوي مع مصر، سواء خلال ثورة 25 يناير أو عقب ثورة 30 يونيو، مثَّل نقطة مضيئة وعلامة بارزة في تاريخ تلك العلاقات، فقد كان من أقوى المواقف التي دعمت مصر دوليا، كانت مصر وقتها بين خيارين، إما أن تظل دولة مدنية ديمقراطية، وإما أن تضيع ويبتلعها المجهول، وتتحول إلى إقطاعية، تطوعها جماعات الإسلام السياسي لخدمة مشاريعها الفئوية الضيقة أولا وأخيرا، فاختار الشعب العريق الخيار الأول، رغم المخاطر العديدة، وارتضى أن يتحمل فاتورة اختياره، وتمسك بأن تظل بلاده كما كانت دوما، دولة منفتحة على كافة التيارات، ترفض تسييس الدين واستغلاله لتحقيق أهداف حزبية بحتة. فتولت الرياض مهمة توضيح الأحداث في القاهرة، وقام وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل بجولته الشهيرة في عواصم الدبلوماسية الأوروبية، وطوَّع خبراته وعلاقات بلاده لتبديد حملات التضليل التي قادتها بعض الدول والكيانات الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، وأثبت بالدليل القاطع أن ما حدث في مصر هو انتفاضة شعبية بيضاء، وليس انقلابا عسكريا، كما كان يروج له بعض رافضي الثورة.
وعودة إلى زيارة الدكتور عبدالعال والتي جاءت بناء على دعوة من معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله آل الشيخ حظي الوفد خلالها بشرف لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الأمر الذي أعطى لهذه الزيارة دلالات ومعاني على قدر كبير من الأهمية، ومثلت رسالة بالغة الوضوح، تمثلت في تأكيد أن التقارب الكبير بين البلدين ليس ناتجا عن مواقف سياسية مبنية على المصالح المشتركة والمواقف المتماثلة، بل إنه مرشح بقوة للانتقال إلى الجانب الشعبي والتشريعي، وإنه إذا كانت قيادتا البلدين على قدر متعاظم من التفاهم والتنسيق، فإن شعبيهما لن يكونا بمعزل عن ذلك التقارب، وسيكونان أكبر داعم وسند له، وفي ذلك مصلحة كبرى، ليست سعودية مصرية فقط، بل ستشمل بفوائدها العميمة كافة شعوب المنطقة العربية، لأن البلدين يتمتعان بثقل سياسي إقليمي عالمي.
وفي ضوء المخاطر الكبيرة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، على خلفية المطامع الكبيرة التي تبديها إيران في دول المنطقة، ومحاولاتها المتكررة لإشعال فتيل الأزمات، عبر التدخل السالب في شؤونها وإذكاء النعرات الطائفية والخلافات المذهبية، إضافة إلى خطط دولة الاحتلال الإسرائيلي لابتلاع القدس الشريف والضفة الشرقية، وتدمير حل الدولتين، إضافة إلى تنامي آفة الإرهاب التي باتت تهدد العالم أجمع، واستمرار الأزمة في سورية، واستمرار الضبابية في أحوال العراق ولبنان، والمأساة الإنسانية المتفجرة في اليمن، فإنه يقع على عاتق كل من السعودية ومصر مهمة متعاظمة، تتمثل في قيادة موقف عربي يواجه تلك التحديات، ويمثل ضمانة للمصالح العربية، ولن يتأتى هذا إلا بالمزيد من التنسيق وتطابق المواقف.
لقد شرفت خلال الأسبوع الماضي بمرافقة الوفد البرلماني المصري خلال زيارته المملكة بمعية أخي الفاضل عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الأستاذ عساف أبوثنين الذي حمّله الجانبان ولجنته مسؤولية تعزيز التواصل بالتنسيق مع لجنة الصداقة البرلمانية المصرية التي يرأسها البرلماني المخضرم اللواء سعد الجمّال، وقد لمست بحق في حواراتنا حرصا عظيما على أهمية تحصين الشراكة والعلاقة الإستراتيجية بين الرياض والقاهرة بما يَصب في مصلحة الأمن القومي العربي.