محمد الساعد

إذا ضرب المثل بالدهاء والحكمة وإنزال الناس منازلهم فلا يمكن أن يذكر أحد قبل آل سعود، وعلى الأخص الحكام الدهاة منهم، الذين واجهوا المصاعب والصراعات ومروا منها دون أن يخدش بلدهم أو يتعرض لأي ضرر، وإذا حصل ضرر فإنه في أقل ما يمكن.

بنوا بلدا من العدم.. لماذا من العدم فلأنها الحقيقة، فقبل 100 عام ربما لن تجد متعلما واحدا، وإذا وجدت فإنهم لا يتعدون أصابع اليد، ولم يكن هناك طريق معبد ولا مدرسة ولا مستشفى ولا جامعة ولا حديقة، ولا سراج معلق في طريق يضيء للناس ظلمتهم.

عام 1919 عندما فتح المؤسس، رحمه الله، باب الرياض كان يفتح معه البلاد كلها، من سكاكا شمالا إلى نجران جنوبا ومن ساحل الخليج شرقا إلى البحر الأحمر غربا، بكل ما فيها من أعراق وأطياف وثقافات وأصول ومذاهب مختلفة، فأخذ الناس باللين والسياسة، وسبقت يده سيفه، وتقدم حلمه على غضبه، وورث ذلك كله لأبنائه الملوك من بعده.

آل سعود عشنا وعاشوا معنا على «الحلوة والمرة»، خضنا معهم كل التبدلات والتحولات والتحديات التي مرت بهذا العالم من الحرب العالمية الثانية، إلى صراع الغرب والشرق، سقطت دول وتغيرت أنظمة، وفنت أو كادت أن تفنى شعوب كاملة بسبب الصراعات والكوارث، لكننا بقينا معا صامدين بسبب واحد فقط هو بركة الله في «وحدتنا».

استطاع ملوك هذه البلاد، ومن ورائهم أسرتهم المتحدة المتوافقة والشعب المؤمن بأهمية الوطن وعدم التفريط فيه أو في ما أنجزه، أن يجنبوا البلاد كل الويلات والصراعات التي تجوب العالم يوميا، وما ينتج عنها من تشريد وجوع وحروب وخلافات، غلبوا مصلحة بلدهم على أي مصلحة، واختاروا أن يكونوا منحازين للسعودية ولا شيء غير السعودية.

واجهنا معهم، يدا بيد ودما بدم، محاولات الانقلاب على الحكم من حرب السبلة إلى حرب الوديعة إلى مؤامرات القوميين العرب، وخيانات القذافي وغدر صدام والإيرانيين، وانتهاء بجرائم قطر بقيادة الحمدين وتميم، إلى خونة الداخل أتباع حركة جهيمان والقاعدة وداعش وبائعي الضمير من الفجار الإخوان والحركيين.

100 عام عشنا في الدولة السعودية الثالثة، كما عاش أجدادنا مع آل سعود أكثر من 200 عام في دولتين سابقتين، وهم كما هم لم يتغيروا علينا ولم نتغير عليهم، «ملوك وسلاطين وأئمة» من قبل أن يصبحوا «ملوكا»، ففي قرية الدروع في الأحساء كانوا كبار قومهم، وعندما قدموا إلى نجد وحكموا الدرعية قبل أن يؤسسوا دولتهم الأولى والثانية والثالثة قدموا حكاما.

هذه حقيقة التاريخ، ففرسان آل سعود، وحدوا الجزيرة العربية كاملة تحت رايتهم أكثر من مرة، رغم صعوبة الحال وضيق ذات اليد.

السؤال المهم الآن هو.. ما الذي ميز هذه الأسرة وجعلها رمانة التوازن بين كل أطياف المجتمع في المملكة، ما هو السر الذي يدفع قلوبنا لأن تخفق معهم ونحرص عليهم، ربما أضعاف أضعاف ما يتصورون، أما لماذا.. فلأنهم أشركوا الناس في أشياء مهمة نذكر بعضها !

أولا.. ذلك الأدب الجم الذي جعلهم ينزلون الناس منازلهم، يوقرون كبير القوم ويعطفون على الصغير، ولذلك كانت مكارم الأخلاق مقدمة على المال والرفاهية.

ثانيا.. أنهم لا يأخذون أحدا بجريرة غيره أبدا.. فإذا أجرم سعد الفقيه، على سبيل المثال، يبقى خطؤه لنفسه، وإذا فجر أو قتل يوسف العييري وعبدالعزيز المقرن وأسامة بن لادن فلا أحد يعاقب أبناءهم ولا أسرهم بما اقترفوا في حق وطنهم.

ثالثا.. أنهم أقاموا العدالة في الجميع، فسامحوا في حق أنفسهم، لكنهم لا يسامحون في حق الناس، فأرضوا الظالم والمظلوم.

رابعا.. أشركوا كل أطراف الوطن في التنمية، وجعلوا هذا البلد صالحا للحياة والعمل بعدما كان صحراء جرداء، ولنستوعب الموضوع أكثر لنتذكر أن هذه المدن لم تكن مدنا من قبل، بل بنيت من العدم.

لا شك أن أغلبية السعوديين بادية وحاضرة يتفقون اليوم على أن الوطن خط أحمر، ولذلك يقفون مع دولتهم على خط النار في كل معاركها، وفي الوقت نفسه يؤمنون أن آل سعود هم عمود الخيمة التي تزول بزوال العمود، لا سمح الله، وأن تجربتهم في حكم أغلب الجزيرة العربية، التي خبروها وآمنوا بها هي من أنجح التجارب، ولذلك كلنا اليوم عمود لتلك الخيمة ولن نسمح بسقوطها.