سطام المقرن

الماسونية كغيرها من المنظمات الإنسانية البشرية لها إيجابيات وعليها سلبيات، وهي لا تختلف عن أية منظمة أخرى في العالم، ولكن يجب توضيح بعض الأمور وتفسيرها

تعتبر «الماسونية» في نظر الكثير من رجال الدين أنها عبارة عن «جمعية سرية سياسية تهدف إلى القضاء على الأديان والأخلاق الفاضلة، وإحلال القوانين الوضعية والنظم غير الدينية محلها، وتسعى جهدها في إحداث انقلابات مستمرة، وإحلال سلطة مكان أخرى بدعوى حرية الفكر والرأي والعقيدة»، وليس هذا وحسب، بل في نظرهم أيضاً أن الماسونية تدعو إلى الإباحية والانحلال ومعاول هدم وتقويض لصرح الشرائع ومكارم الأخلاق وإفساد وتخريب العمران! وبالتالي فمن ينتسب إلى الماسونية يعتبر كافرا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن مات على ذلك فجزاؤه جزاء الكافرين!.
وبلا شك أن الدعوة إلى التسامح والتآخي بين الأديان والدعوة إلى التعددية لا بد أن تغضب رجال الدين، والواقع أنهم اعتبروا الماسونية كأنها دعوة إلى نبذ الإسلام بل جميع الأديان، ومن هنا بدأت الظنون والشبهات تحوم حول الماسونية، ومما ساعد على انتشار ذلك هو غموض الماسونية وما يكتنفها من أسرار وجهل المجتمعات العربية بحقيقتها، ناهيك عن الإرث التاريخي المسيحي المعادي للماسونية، والذي انتقل فيما بعد إلى باقي الأديان الأخرى، حيث أصدر البابا كلمنت الثاني عشر بياناً أعلن فيه تحريمها، واعتبر كل من ينتمي إليها مرتداً عن دينه!.
وبناءً على ما سبق، يعتقد العديد من الناس في المجتمعات العربية أن الماسونية هي سبب الشرور والفساد في العالم، وقد وصل هذا الاعتقاد إلى حد وصف أية مطالبة بالتغيير والتطوير أو التجديد والإصلاح بأن ذلك من خطط الماسونية العالمية لإفساد المجتمع، ومن يطالب بمثل هذه التغيرات يعتبر ماسونيا كافرا مرتبطا بإسرائيل!.
فعلى سبيل المثال، يتم ربط الموسيقى والفن بمخططات الماسونية، فيقول أحد الدعاة إن الماسونية تستخدم «الموسيقى كنوع من أنواع التأثير الباطني على أتباعها، وتعد موسيقى الروك تعبيراً صريحاً عن هذا التوجه الشيطاني، وتعد نوعاً من أنواع الثورات الثقافية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والروحية، فيتم استبدال العلاقات الإنسانية بالمجتمع والفرد والوسط المحيط، بالمفاهيم الشيطانية للحياة، ومثل هذا يعدّ جزءا من المشروع الواسع، الذي وضعته وتموله المنظمات الماسونية. والغاية من هذا المشروع هي السيطرة على جميع القوى الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والدينية».
والمثال السابق ينطبق على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأخرى، مثل عمل المرأة والمشاركة السياسية، وتطبيق القوانين المدنية، والانفتاح والتعددية والتسامح، وتجديد الخطاب الديني، وكذلك بالنسبة للتحالفات والاتفاقيات الدولية، بل وأيضاً ما يحدث في بعض الدول العربية من اضطرابات سياسية واقتصادية، فمثل هذه المستجدات وهذه الأحداث يعتبرها البعض للأسف تنفيذاً لأهداف الماسونية العالمية، وقد ضاعت الحقيقة من جراء ذلك.
ونتيجةً لهذا الكم الهائل من الشتائم والتهم التي انصبت على الماسونية، لا يستطيع الفرد العربي كشف حقيقة الماسونية، فأصبح البعض يعتقد بأنه والمجتمع ضحية مؤامرة عالمية وسيلتها الماسونية، تستهدف القضاء على دينه وقيمه وأخلاقه ونهب خيرات بلاده، الأمر الذي أدّى إلى عدم الالتفات إلى المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المجتمعات العربية، وبالتالي محاربة أية محاولة لإصلاح ومعالجة تلك المشاكل بدعوى محاربة الماسونية التي هي سبب جميع مشاكل الأمة الإسلامية! فيا ترى ما حقيقة هذه الماسونية التي تقف وراء فساد ودمار العالم؟.
يرى العديد من الباحثين أن الماسونية مأخوذة من لفظة «ماسون» التي تعني البناء والعمار، ويرجع أصلها إلى النقابات التي ظهرت في بريطانيا منذ القرن الثاني عشر، وفي نهايات القرن الرابع عشر ومطلع القرن الخامس عشر «تشكلت في معظم بلدان أوروبا الغربية والجزر البريطانية، نقابات جمعت الحرفيين المختصين بشؤون البناء لينظموا من شأنهم ويتبادلوا الخبرات المتعلقة بالبناء. وكان أفرادها يعتبرون مواطنين أحرارًا وليسوا عبيد أرض كبقية الشعب، وبحكم مهنتهم فقد اعتاد أهل المهن قديماً على كتمان معلوماتهم (سر المهنة)، وبهذا شكلت طريقة تفكيرهم الخاصة المخالفة للثقافة السائدة التي تدور حول التراث المسيحي الأوروبي وشذرات من فلسفة أرسطو».
ويقول الباحثون إنه في عام 1717 «انتقلت الماسونية من طورها القديم إلى طور جديد، حيث تم تأسيس جمعية جديدة تختلف في أهدافها وطبيعة أعضائها عن النقابات القديمة التي كانوا ينتمون إليها، وبهذا نشأت الماسونية بشكلها الحديث، وأخذت تنتشر في مختلف بقاع العالم، بسبب أنها كانت بمثابة رد فعل للنزاع العنيف بين الناس بسبب اختلافهم في العقيدة والدين، وهي بمثابة دعوة للتآخي بين الأديان تقوم على مبادئ (الحرية والإخاء والمساواة)».
والماسونية كغيرها من المنظمات والجمعيات مقسمة إلى عدة تنظيمات أو أخويات متنافسة ومتضادة ومتنازعة فيما بينها، فهناك تيار يغلب عليه الطابع السياسي، وقد يستخدم لتحقيق مصالح سياسية، وهناك تيار روحاني يبتعد عن السياسة، ويهتم بالرمزية والقضايا الاجتماعية أكثر مما يهتم بصراعات الساحة السياسية، والماسونية ليست جماعات سرية كما يعتقد البعض، بل لديها مقرات رسمية، ولا تعمل في الخفاء، ولا تعني الكفر والإلحاد ولا التخلي عن الدين، ولها مبادئ وقواعد أخلاقية.
وفي النهاية، وما أريد قوله أن الماسونية كغيرها من المنظمات الإنسانية البشرية لها إيجابيات وعليها سلبيات، وهي لا تختلف عن أية منظمة أخرى في العالم، ولكن يجب توضيح بعض الأمور وتفسيرها حول هذا التنظيم حتى يمكن التخلص من عقدة نظرية المؤامرة، ولفت نظر المجتمعات إلى مشاكلها الحقيقية والاعتراف بأنها هي السبب الحقيقي التي تقف وراء هذه المشاكل، بالإضافة إلى أن إصلاح ثقافة المجتمع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال كشف مثل هذه الحقائق حتى يمكن الانفتاح على المستجدات الحديثة بعقلانية أكثر.