& &أحمد يوسف أحمد&

عُقِدت في اليومين الماضيين الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر وزراء الثقافة العرب وهو تقليد ترعاه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تخطيطاً ومتابعةً، غير أنه يُعقد في السنوات الأخيرة في ظل ظروف عربية مُحَملة بتحدياتٍ جسام تتضمن تهديداً للهوية العربية ذاتها من جراء تداعيات ما سُمى بـ"الربيع العربي" والتي أفضت إلى إذكاء قوى خارجية للهويات الطائفية على حساب الهوية العربية الجامعة مع أن العروبة بمعناها الصحيح مثلت دوماً الإطار الحاضن لكل الانتماءات الفرعية، ويُضاف إلى ذلك الفهم المغلوط للإسلام الذي تبنته تيارات بعينها، والذي أفضى إلى تناقض مفتعل بين العروبة والإسلام، ناهيك عن الأفكار المعادية أصلاً للفكرة العربية، والتي وجد أصحابها في الظروف المتردية الراهنة ما يشجعهم على طرحها، ويمثل تقويض الهوية العربية دون أدنى شك تقويضاً للأساس الجامع للعرب ومن ثم وضع نهاية للأمل في مستقبل مشترك لهم، وتضطلع الثقافة بطبيعة الحال بالمسؤولية الأولى في التصدي للتحديات التي تجابه الهوية المشتركة ومواجهة الأفكار المغلوطة المتطرفة عن الدين وانعكاساتها على جوانب حياتنا كافة، ولذلك فقد أحسست بالارتياح عندما أُتيح لي الاطلاع على محاور المؤتمر، والتي تبحث بشكل أو بآخر في هذه التحديات وسبل مواجهتها.


وتُظهر قراءة الأعمال التحضيرية للمؤتمر أنه يدور حول محاور أربعة من شأن النجاح في تناولها على نحو عملي وفعال أن يمثل استجابة سليمة للتحديات التي تواجه العمل الثقافي العربي المشترك، ويركز المحور الأول على دور الثقافة في ترسيخ الهوية العربية من خلال تعزيز اللغة العربية وحمايتها وكذلك تعزيز الانتماء والولاء للذات العربية في مواجهة الولاءات الفرعية وتعضيد التضامن العربي والعمل على تحقيق التناغم والوحدة من خلال التنوع وإبراز التراث الثقافي العربي كقاسم مشترك بين الدول العربية، ويدور المحور الثاني حول مواجهة التحديات الثقافية من خلال الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة في مواجهة مشكلات التطرف والغلو والإرهاب والعنصرية ودور الثقافة كذلك في المعالجة السليمة للقضايا التربوية والتعليمية ودور النخب العربية المثقفة في بناء المشروع الثقافي العربي وترشيد الدور الذي يلعبه الإعلام المرئي والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعي في المحتوى الثقافي بحيث يكون دائماً دوراً إيجابياً، أما المحور الثالث، فيتعلق بقضية الإنتاج الثقافي العربي المتكامل والمستدام، والذي لا شك أنه مازال بعيداً عن المستوى المأمول، وهي قضية بالغة الأهمية بالنسبة لحيوية الثقافة العربية وازدهارها ومستقبلها على النحو الذي يؤهلها للوفاء بالمسؤوليات المناطة بها في مواجهة التحديات التي تعترض في الوقت الراهن مسار النهوض العربي، وأخيراً وليس آخراً يتعلق المحور الرابع بالعلاقة مع الآخر من خلال تعزيز الحوار والتواصل مع العالم وهو عمل بالغ الحيوية إذا أردنا أن نعيش كعرب في بيئة آمنة نفهمها ونستكشف آفاق التعاون مع مكوناتها ونستفيد منها في بناء نهضتنا، ولا نتردد في أن نرفد ثمار هذه النهضة في التيار العام للحضارة الإنسانية.


وقد عكست الكلمات التي أُلقيت في الجلسة الافتتاحية الإحساس بأهمية العمل الثقافي العربي المشترك في الظروف الراهنة، فأكد الدكتور سعود هلال الحربي المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على "أننا نتحمل مسؤولية عظيمة على المستوى الإنساني ونعمل على الارتقاء بعالمنا العربي"، وأوضح أننا "نريد ثقافة ترتقي بالإنسان العربي أينما كان. ثقافة متصالحة مع الآخر ومتوازنة بين ماضيها وحاضرها وتمهد لمستقبلها. نريد ثقافة تواكب القوة التكنولوجية والثروة المعرفية"، أما وزيرة الثقافة المصرية مضيفة المؤتمر، فقد أكدت أننا "نحتاج إلى المشاركة لمكافحة التطرف والحفاظ على التراث العربي ... ولابد أن ننفتح على الثقافات الأخرى ونعمل على تعزيز الريادة التنموية والتعددية والتنافسية على الصعيد الدولي"، أما أمين عام الجامعة، فقد وضع النقاط فوق الحروف بوضوح بقوله "إن الثقافة العربية تقف اليوم في مفترق طرق حقيقي، وتعاني من معضلة حقيقية، ولابد من أن تجدد نفسها وفي الوقت نفسه تتواصل مع التاريخ"، كما أكد أن الثقافة ليست نشاطاً تجميلياً وإنما هي المحرك الحقيقي للأحداث، وهي مرتبطة بقضايا الأمن القومي"، ويبقى أن تعكس قرارات المؤتمر المعاني السابقة، وأن تتم متابعتها بجدية فائقة ولعله من حسن الحظ أن يكون على رأس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم رجل يقرن القول بالعمل كمديرها الحالي.

&

&