&عبدالحق عزوزي

مازلنا نتحدث عن مسائل الهيمنة والتعددية الثقافية ضمن مداخلة في ملتقى رابطة العالم الإسلامي الذي عقد مؤخراً في نيويورك. وكما يعلم المتتبعون للشأن الدولي، فهناك كتاب مرجعي مهم أصدره في أواخر ثمانينيات القرن الماضي أستاذ جامعة هارفرد، جوزيف ناي، عنوانه «القوة الناعمة: معاني النجاح في السياسات الدولية»، وأكد فيه مزايا الدبلوماسية والقوة الناعمة التي تتأتى من جاذبيتها الثقافية والسياسية وغيرها.. والتي يمكنها أن تحقق الهيمنة الثقافية، فنجده يكتب: «إنه وإن أمكن الوصول إلى الأهداف من خلال القوى الخشنة، باستعمال القوة من قبل القوى الكبرى، فإنه قد يشكل خطراً على أهدافها وتطلعاتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية»، لذا فإن أرادت أميركا أن تبقى قوية، «فعلى الأميركيين أن ينتبهوا إلى قوتهم الناعمة».&


الهيمنة الثقافية هي الفكرة أو المفهوم القائل بأن الثقافة الواحدة، عن طريق الإرادة المباشرة أو مجرد مركزها المهيمن في العالم، تمارس تأثيراً مفرطاً على الكيفية التي ينبغي أن تمارس بها الثقافات الأخرى نفسها من حيث القيم والتطلعات السياسية والاقتصادية. ?وإذا ?كان ?من ?حق ?أي ?دولة ?أن ?تسعى ?جاهدة ?لتكون ?لها ?كلمة ?في ?النظام ?الدولي ?في ?المجالات ?الثقافية ?وغيرها، ?فإن ?الذي ?لا ?يمكن ?أن ?يقبله ?أي ?عقل ?هو ?ذلك ?الاختراق ?الثقافي ?السلبي ?الذي ?يهدف للاستيلاء ?الثقافي ?على ?الطرف ?الآخر ?ونشر ?ثقافة ?الطرف ?المهيمن، ?وتقويض ?أسس ?الثقافات ?المحلية ?أو ?القومية «?من ?أجل ?سيادة ?نموذج ?واحد ?للتفكير، ?ونشر ?قيم ?إنسانية ?معينة. ?وقد ?أجاد ?الدكتور ?محمد ?مطر ?سالم ?الكعبي، ?الأمين ?العام ?لمنتدى ?تعزيز ?السلم، ?رئيس ?الهيئة ?العامة ?للشؤون ?الإسلامية ?والأوقاف ?بدولة ?الإمارات ?العربية ?المتحدة، ?عندما ?أشار ?في ?كلمته ?القيمة ?إلى ?ما ?نجحت ?فيه ?دولة ?الإمارات ?من ?مأسسة ?للتعددية ?الثقافية ?واحترام ?للخصوصيات، ?وهكذا ?تبنت ?مبادرة ?القافلة ?الأميركية ?للسلام ?التي ?احتضنها ?منتدى ?تعزيز ?السلم ?في ?المجتمعات ?المسلمة، ?حيث ?استقبل ?منتدى ?تعزيز ?السلم ?بأبو ?ظبي ?في ?مايو ?2017، ?أول ?قافلة ?أميركية ?للسلام ?ضمت ?مجموعة ?كبيرة ?من ?الأحبار ?اليهود، ?والرهبان ?المسيحيين، ?وأئمة ?المسلمين، ?من ?أجل ?التعاون ?والتعارف ?على ?خدمة ?السلم ?والمحبة ?وإحياء ?القيم ?الإنسانية ?بين ?الناس، ?وهي ?الزيارة ?الأولى ?من ?نوعها. ?ثم ?أكملت ?هاته ?المحطة ?الثانية ?بمدينة الرباط ?المغربية ?في ?أكتوبر ?2017 ?والتي ?ضمت ?عدداً ?كبيراً ?من ?قيادة ?ديانات ?العائلة ?الإبراهيمية.&


وفي إطار التأصيل لبناء أسرة إنسانية واحدة وبيت مجتمعي مشترك، ومنذ عقد من الزمن، نادينا مع آخرين في إطار منتديات فاس حول التحالف الحضاري والتنوع الثقافي، لإيجاد ميكانيزمات جهوية ودولية لبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك. إنه الحوار العالمي البنّاء الذي يقوم على اجتثاث مسببات الكره من جذورها.. الحوار المحايد دينياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعرقياً وجنسياً.. نريد حوار الإنسان للإنسان، وفق قيم محايدة بعيداً عن خصوصيات الفهم والاجتهاد والتأويل للمنطلقات الجامعة.
وهو ما نحييه بجلاء عندما أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوم قانون يجرم التمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الأصل الإثني.‏? ?كما ?يمنع ?هذا ?المرسوم استغلال ?الدين ?في ?تكفير ?الأفراد ?أو ?الجماعات ?ويفرض ?عقوبات ?تصل ?إلى ?الإعدام ?إذا ?اقترن ?التكفير ?بالتحريض ?على ?القتل ?فوقعت ?الجريمة ?بسبب ?ذلك??. وينص المرسوم على تطبيق ?عقوبات ?رادعة ?للجمعيات ?والفعاليات ?الداعية ?لازدراء ?الأديان ?أو ?التمييز ?أو ?إثارة ?خطاب ?الكراهية. ?وهذه ?فضيلة ?ما ?بعدها ?فضيلة ?في ?حماية ?المجتمعات ?من ?الآثار ?الملوثة ?للعقول ?والقلوب لدى ?الذين ?لا ?يجدون ?في ?القوانين ?الجنائية ?الوطنية ?ما ?يردعهم.
التكفيريون الذين تعج بهم بعض المجتمعات يزرعون قواعد الكراهية وازدراء الأديان في عقول البشر، ليكون الأمر إما حقاً أو باطلاً، والموقف إما هدى أو ضلالاً، والألوان إما أبيض أو أسود.. لذا فصون البشرية من بربرية التكفيريين الذين يزدرون الأديان هو تأصيل للحوار العالمي الهادف، وهو مطلب عالمي حقيقي، لا يخص المسلمين وحدهم وإنما العالم بأسره، وعلى الدول المتشبعة بالمواطنة وقواعد العيش المشترك تبني قوانين ردعية تصون مصالح الجميع.

&

&