عودة الوعى

عندما يلامس الخطاب السياسى العقول والنفوس، ويهزها هزا، أشعر بأن الدنيا بخير فى بر مصر، وأنها تستقيم فى مسارها الصحيح، وأن العقل الواعى يأخذ معه العقل المصرى الباطن فى نفس المسار، بلا خوف أو تردد، وهذا هو الخط المستقيم للوصول إلى الناس، كل الناس، فى كل أنحاء الوطن، كما أنه المتوسط الحسابى الجامع للوطن، بكل أطيافه وفئاته، متنوعة الثقافات، والأهداف، والمرامي، والرؤي.

فيتحول الخطاب إلى عقد اجتماعى جديد، فريد من نوعه فى الصراحة والقوة، واختزال الوقت والمسافات، لتجميع الناس حول هدف صحيح وقوي، يخدم الوطن والمواطنين، بلا مواربة أو إخفاء، لأنه يصنع الوعي، ويجعلنا جميعا شركاء.

وقد كان خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الندوة الثقافية للقوات المسلحة، بمناسبة نصر أكتوبر، من هذه النوعية من الخطابات التوثيقية لهذا العصر، بمتغيراته الكاملة، حيث كشف لنا الرؤية والتفكير، وسهل علينا التحليل، ومعرفة موضع أقدامنا فى الطريق إلى المستقبل، وكيف انتصرنا فى 1973، رغم إمكاناتنا المحدودة، والقوى العظمى التى أعطت إسرائيل كل الإمكانات، ولكن الروح العسكرية، والإرادة الوطنية، مكنتا مصر من صنع المعجزة، بالعلم، والتخطيط، ووحدة الشعب، والمؤسسات، وكيف أجبرناهم على السلام، وهنا علينا أن ندرك المغزي، بأننا أمام عدو واعٍ، أدرك أهمية السلام له ولمواطنيه، فسار فيه بإرادته، أو رغما عنه، وترك الأرض وسلم بالحقوق والحدود، فى حين أن أطماعه، كانت بلا حدود كما نعرف تاريخيا، وبذلك نجحت مبادرة مصر السلمية فى محاصرة العدوان.

وهذا ما يجب أن يدرسه الإخوة فى فلسطين، ويدرسه العرب بوعى كامل، كيف نأخذ حقنا وننتصر، وتقام دولة فلسطينية حقيقية على الأرض المحتلة؟ فعندما يدرك العدو أن أمامه خصما واعيا ومخلصا لقضية وطنه، ويأخذ أموره بالحكمة والتبصر والوحدة والمعرفة، سوف يسلم بكامل الحقوق فى دولة فلسطينية مستقلة، وهذا درس، ولهم عبرة فيما حدث معنا، وكان صعبا ومريرا.

من عرف طريق النصر سينتصر مرة ومرات، لأننا تركنا طريق الهزيمة والخوف من المستقبل للأبد، ولأننا سبق أن صنعناه فى حربنا ضد الإرهاب بكل أشكاله، والفوضى بكل تبعاتها.

والحرب الآن أصعب وأدق، بل وأخطر من حرب 1973، لأنها تجرى فى الداخل، وتقودها عقول مريضة، مأجورة من أجل الخيانة، فسلمت مقاليد أمورها وناصيتها للأجنبي، وآمنت بأفكار عفى عليها الزمن، وألصقت بها اسم المسلمين، لتجنيد البسطاء، وسرقة عقولهم، وتحويلهم إلى أداة تدمير لبلادهم، وقتل أهاليهم، وأنفسهم، بلا رحمة أو دين أو خوف من ضمير، فقد قتلوه قبل أن يقتلوا أهلهم ومواطنيهم. فمصر بإمكاناتها، وظروفها، وعدد سكانها الكبير، يجب ألا تكون بلدا للصراع على السلطة، لأنها ليست مغنما، ولكنها مغرم ضخم، تدفعه المؤسسات، حتى يخرج الشعب من الفقر إلى الغني، وتعمل على حل مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية الموروثة.

وهذا، والله يحتاج إلى صبر وتضافر ووحدة الناس مع الدولة ومؤسساتها المختلفة، المدنية والعسكرية، حتى نختزل السنوات، ونقف جميعا على أرض صلبة، فلسنا فى موقف يسمح لنا بسرقة العقول، أو إلهائها فى صراعات سياسية صغيرة، أو حتى إضعاف قوة الدولة، ومؤسساتها فى مواجهة أطماع عالمية وإقليمية مخيفة، لا تستهدف القرار المصرى وحده، بل الوطن ومؤسساته، فهم لا يريدون لنا أى مستقبل، لكنهم يريدون تحويل مصر، من وطن لأهله، إلى مستعمرة تابعة لهم، وتحويل المصريين إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، كما أن درس عام 2011 أصبح واضحا للعيان والعقول، وأمام الدولة ومؤسساتها.

ولعل أبرع تعبير هو ما قالته وثيقة أكتوبر على لسان الرئيس، أمام المؤسسة صانعة النصر والشعب، فى الذكرى الـ45 لنصر أكتوبر، عندما قالت إن (25 يناير علاج خاطئ لتشخيص خاطئ)، لكنه، على كل حال، كشف عن قوة الوطن ومؤسساته على مواجهة العدوان، وتصحيح الأخطاء، ومحاصرة كل المعتدين، ووضعهم فى أحجامهم الطبيعية، ثم العودة إلى العمل والبناء بأسرع وقت، وفى ظل ظروف حرجة.

ولكن المعركة لا تزال مستمرة، ولا نزال نحاصر الإرهاب فى الداخل، مع اجتثاث جذوره فى الخارج، ونشعر بالزهو والفخر، لقدرة مصر على معاونة الجيش الليبى فى محاصرة الإرهاب على حدودنا الغربية، تماما كما استطاعت أن تواجه فى عملية سيناء 2018 بكل جدارة وقوة واستحقاق، والقبض على أخطر إرهابي، يتزعم تنظيما إرهابيا، كان قد استهدف زعزعة استقرار مصر من الداخل، وكان يعشش كخفافيش الظلام فى سيناء وليبيا.

وعلينا أن نذكر أن ضجيج المتأسلمين، القادم من تركيا، كان قد أشاع الفوضى والاضطراب فى مصر والإقليم العربي، وأنه تخطى كل الخطوط الحمراء، وكان يجب أن يتدخل التحالف العربي(مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، المواجه لقطر، فقد أدركت السعودية أن المخطط الذى استهدف مصر، كان مقدمة للوصول إليها، وكان المخطط القطري- التركي- الإيراني، وبموافقة إسرائيلية، وقوة عالمية أخري، من أجل السيطرة على مصر، هو نفس المخطط الذى كانت تسير فيه نفس القوة لإشاعة الفوضى فى الخليج، تمهيداً لتسليمها لقوة الفوضى المتأسلمة، لتصبح رهينة للخليفة فى اسطنبول، والملا فى طهران، والأمير فى الدوحة!

ويجب الآن محاصرة هذا الضجيج، والشائعات، والمحطات، والأموال التى تصرف لزعزعة الدول العربية، وتعمل على نشر الإرهاب والفوضي، وتأخير خروجها من حالة الحرب التى وضعت فيها منذ 6 سنوات، لكى تتفرغ للعمل والبناء، وحل مشكلات مواطنيها، بلا صراعات، أو أوهام كاذبة أو خادعة، تحت حكم دينى فاشى فى المنطقة العربية، ويجب أيضا مواجهة العملاء الذين عششوا فى تركيا لإثارة السخط، وتشجيع قوى قديمة وجديدة للتدخل فى شئوننا الداخلية.

وهذا سيكون تصحيحا جوهريا للأوضاع العربية، وطريقا للخروج من خسائر ما عرف باسم الربيع العربي، وقد جاء لتمكين المتأسلمين والمتطرفين من حكم البلاد العربية.

&