&علي القاسمي&

جاء البيان السعودي حاداً جاداً وفي التوقيت المنتظر، لاسيما وأن مراحل التحقيق لن تكون بذات السهولة التي يتوقعها متابع ومهتم بالتفاصيل، ومطّلع على ما تفرزه وسائل الإعلام لحظة بلحظة لقضية الصحافي جمال خاشقجي – رحمه الله، البيان السعودي الصريح الواضح وضع النقاط على الحروف على قضية هي الأسخن في السنوات الأخيرة، لأن الهدف كان السعودية من دون شك، وأراد الخصوم تصفية الحسابات عبرها، وإن كان ثمة قضايا أثقل عبرت بهدوء في زوايا أخرى ولم تحمل ذات الإرباك والارتباك لأن السعودية ليست طرفاً فيها.


البيان شرح أن «استجلاء» الحقيقة هو الهدف الرئيس، وأن الالتزام بمحاسبة أي متورط هو العنوان الرئيس للموقف السعودي الهادئ، والذي يقرأه المتربصون من مربعات متعددة، من دون أن يدقّقوا قليلاً في أن أي بحث عن الحقيقة وملاحقة لمتهمين أو التأكد من ضلوعهم في جريمة ما أو عبث غير مسؤول سيكون رهن الوقت والساعات الطوال، والبحث عن ورقة هنا وأخرى هناك، حتى تكون للحرف قيمته وللبيان دقته وصحته، حتى وإن كان موجعاً أو مفاجئاً وغير متوقع على الأقل في أذهان من كان التفاؤل سيد موقفهم وقائد آرائهم.

البيان السعودي مجدداً جاء بأسطر بالغة العقل والتروي والتأكيد والشجاعة، كان الطرح العقلاني ملموساً في القراءة المتزنة لكل ما دار وثار في هذا الملف، والتعاون المميز الذي أعلن مع من ظن المرضى أن حبال الود معهم مقطوعة، أما التروي فلأن النتائج المنتظرة في ملف متشابك تناوله الجميع، المحب والكاره، الصادق والكاذب، لا يصح ولا يصلح أن تخرج على عجل ومن طاولة الإرضاء والإمضاء الخاطف، بل هي رهن متابعة دقيقة وملاحقة أدق لكل ما هو منتثر من الأوراق والمعلومات على طاولات التحقيق، أما التأكيد فجاء كعادة الذين يعرفون ما هي أسس العدل، إذ إن التحقيقات لا تزال مستمرة مع 18 موقوفاً على ذمة القضية، وهذا الاستمرار لأجل الوصول بالحقائق إلى المنعطف الأخير ومن ثم إعلانها، فالبلدان الشجاعة لا تخشى شيئاً، وتؤمن بأن تمييع الحقائق أو بقاء الجرائم والقضايا كلغز عصي أو في حكاية للنسيان ليست من قيمها ولا مبادئها، وتظل الشجاعة واضحة في إعلان الالتزام بمحاسبة كل الذين كانت لهم يد في التقصير أو الإهمال أو ارتكاب خطأ جسيم كهذا.

العدالة وحدها ستأخذ طريقها، والتجاوزات لم تكن ولن تكون مقبولة، ولكنّ المتربصين والحاقدين ومدمني التشفي لن يتوقفوا عن شن الحملات والتشكيك وضرب الإبر، على رغم أن ثمة قضايا دولية لا يستهان بها قذفت لمربع المجهول من دون أن يحرك العالم ساكناً، الأخطاء لا يمكن الوقوف في وجهها ولا التصرفات الفردية أيضاً، لكن الشفافية إن حضرت والعدالة إن أخذت طريقها فليس لأحد أن «ينبس ببنت شفة» على قيادة وشعب، لن نستعيد مآسي الشعوب والمظالم التي يحفظها التاريخ السياسي جيداً، ولن نظل في جدال بشأن قصص لمخفيين وقتلى ظلت رهن زمن متقلب وفي أحضان الغموض والدفن، السعودية أعلنت الحقيقة مهما كانت نتائجها، وقدمت درساً قاسياً لأنظمة التخابر والدسائس والتآمر في أنها تمضي بثبات غير منكرة لأي حدث ولا لأي خطأ، واعدة بالحساب والعدالة.