&السيد ولد أباه&

لا مندوحة من التمييز الضروري بين واجب الكشف الكامل والشفاف عن قضية اختفاء وموت المرحوم جمال خاشقجي، وبين التعرض لصورة السعودية ومكانتها العربية الإسلامية المحورية. الجانب الأول قانوني وأخلاقي لا خلاف حوله، والموضوع الثاني يستدعي وقفة تحليل من منظور الأوضاع العربية الحالية وسياقاتها الإقليمية والدولية.


غني عن البيان أن النظام الإقليمي العربي دخل في السنوات السبع الأخيرة أزمة خانقة طرحت بحدة إشكالية الوجود العربي في الساحة الدولية ومستقبل المنظومة العربية نفسها في هويتها القومية وبنائها الاستراتيجي. بدأ الانهيار بالخصوص مع خروج العراق من النظام العربي عقب احتلال الكويت سنة 1990 وما تلاه سنة 2003 من حرب أميركية وصراع طائفي وهيمنة إيرانية. ومع بداية العقد الحالي اندلعت الحرب الأهلية في سوريا بوجهيها السياسي المتعلق بتطلعات القوى السياسية للتغيير والانفتاح والطائفي الذي ولّدته معادلة التدخل الإيراني في سياق استغلته الجماعات الإرهابية الراديكالية التي احتلت مناطق شاسعة من العراق وسوريا. العراق وسوريا هما المحور الشرقي للنظام العربي وبضياعهما ينكشف الأمن الإقليمي في إحدى أخطر جبهاته، وقد انضاف إليهما اليمن الذي هو البوابة الجنوبية للمنظومة العربية ومركز الخطر الأكبر على أمن منطقة الخليج العربي والبلدان المطلة على البحر الأحمر، إثر التمرد الحوثي المدعوم إيرانياً.&


في هذا الخواء الاستراتيجي الخطير، كان دور السعودية مهماً في ترميم وإعادة إحياء محور القوة الاستراتيجية العربية، بالشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى المغرب والأردن اللذين تم اعتمادهما شريكين خاصين لمجلس التعاون الخليجي.
وعندما قامت الدولة السعودية في بداية القرن العشرين، شكّلت الضلع الثالث في منظومة الوجود العربي الحديث، بالتزامن مع مشروع سوريا الكبرى الذي بلورته النخب الشامية العثمانية ومشروع الدولة العراقية الذي حملته نخب الموصل العثمانية. لم ينجح مشروع الشام الكبير الذي برز في خيال الأدباء والمستشرقين الفرنسيين قبل أن تتبناه الزعامات السياسية المحلية وقيادات الفكر القومي من المسيحيين العرب. لقد انهار المشروع بعد الحرب العالمية الأولى مع انطلاق استراتيجية الانتداب الأوروبي في فلسطين ولبنان وسوريا.
وإذا كان مشروع الوحدة العراقية قد نجح في الظهور، رغم اعتراض السلطنة العثمانية المتداعية (التي تحولت من بعد إلى الدولة التركية الحديثة) في تشبثها القوي بإقليم الموصل، فإن الكيان العراقي الحديث عانى التناقضات الداخلية والصراع الجيوسياسي مع إيران.&
مثل مشروع الدولة السعودية الحديثة، والذي بلوره الملك عبد العزيز، مشروعاً وطنياً لتوحيد أقاليم الجزيرة العربية (نجد والحجاز وامتداداتهما)، ومشروعاً إسلامياً لرعاية الحرمين، ومشروعاً قومياً لتوطيد اللحمة العربية، بما عكسته سياسات المملكة في الملفات العربية الكبرى من الموضوع الفلسطيني إلى دعم حركات التحرر العربي، وإسناد الدول العربية في تحقيق حاجياتها التنموية.&
ويذكر للسعودية دورها المشرِّف في الحروب العربية الإسرائيلية، من نكبة 1948 إلى حرب 1967 التي وقفت فيها المملكة بقوة مع مصر (رغم المشاكل العالقة منذ سنوات بين البلدين)، وحرب 1973 التي استخدمت فيها السعودية الورقة النفطية في إدارة الصراع، انتهاءً بالمبادرات السياسية الساعية لانتزاع الحقوق العربية الشرعية.
إن هذا الدور السعودي المحوري في القضايا العربية شكّل دوماً سبباً رئيساً للتحامل عليها من قوى وتيارات شديدة التباين: الأوساط الصهيونية المتطرفة والتيارات المعادية للإسلام في الغرب والحركات القومية العربية التقليدية التي تحول الحواجز الأيديولوجية بينها والوعي الاستراتيجي السليم بالقضايا العربية.


ما أريد أن أخلص إليه هو أنه أمام المجموعة العربية اليوم مهمات ثلاث عاجلة لا يمكن التغاضي عنها:
أولا: إطفاء بؤر التوتر والفتنة في العالم العربي، من خلال مشروع عربي للمصالحة الداخلية والسلم الأهلي بمنأى عن التدخلات الخارجية.
ثانياً: ترميم واستعادة الجناح الشرقي من النظام الإقليمي العربي بالعمل على استرجاع العراق وإخراجه من الوصاية الإيرانية، وإعادة سوريا للصف العربي برعاية المصالحة الوطنية بين مكونات نسيجها الوطني والسياسي.
ثالثاً: تدعيم الأمن القومي العربي في جبهاته المفتوحة جنوباً (المجال المطل على البحر الأحمر والقرن الأفريقي)، وغرباً (قوس الأزمة الممتد من منطقة الساحل إلى صحراء ليبيا ومصر).
في هذه المهمات الثلاث الأساسية، لا مناص من الدور السعودي ولا مستقبل للوجود العربي من دونه.

&

&

&