& شما بنت محمد بن خالد آل نهيان

القراءة هي تلك الحالة التي تصنعها علاقة تبادلية بين العقل الإنساني وبين الكتاب بكل أنواعه، الورقية أو السمعية أو المرئية. وفي يقيني أن كل ما يقدم لنا المعرفة فهو كتاب، وليس الكتاب فقط هو ذلك الورقي الذي تعودنا عليه. قد يظل ذلك الكتاب المصنوع من الأوراق المغموسة في رائحة الحبر، أيقونة القراءة، وحين نطوي الصفحات نشعر بفرحة تغمرنا وكأننا ننتقل من ميناء إلى آخر بحثاً عن المعرفة القائمة بين العقل والروح والكتاب.&


الكتاب عقل كتب لنفسه الخلود بين الأرفف، يتحاور معنا ويناقشنا، وأحياناً يجادلنا، يفتش في عقولنا عن انعكاس أفكاره وتجاذبات رؤيته حول الفكرة التي يطرحها بين الصفحات، فإن غاب العقل مادياً تبقى أفكاره منيرة ترشدنا نحو المعرفة، وتعبر بنا صحارى الصمت إلى وديان الصخب الإنساني والحياة. تنمو في عقولنا المعارف وكل يوم تكبر وتتراكم حتى يأتي اليوم الذي تطرح عقولُنا أفكارَنا الخاصةَ؛ ندونها في صفحات نكتبها، وننحت على جداريات المعرفة أفكارَنا، فتبقى حيةً بما نتركه مدوَّناً بكل أنواع التدوين البشري التقليدية وغير التقليدية التي تتزايد يوماً بعد آخر ولا تتوقف عن النمو والتباين والتجدد.


من تلك الرحلة التي سافرتُ فيها عبر كل الدروب المعرفية، وقضيتُ ليالي طوالاً مبحرةً في فضاءات عقول جاءت من عمق التاريخ لتترك بصمتها على حاضرنا، وترسم لوحات زاهية بالمعرفة على جدران الحضارة الإنسانية الحديثة.. كثيراً ما كان حلمي أن نعيش في مجتمع قارئ، يصبح فيه الكتاب ليس مجرد واحد من العلاقات العابرة في حياة الفرد بل تكون علاقته مع الإنسان علاقةَ صداقةٍ مستدامة، وإن كنا في الإمارات قد خطونا خطوات واسعة نحو هذا الحلم بالكثير من المبادرات القرائية خلال الأعوام الماضية، والتي توجت بعام القراءة وقانون القراءة.. إلا أن الطريق ما زال طويلاً نحو ذلك الحلم الكبير. لذلك أدعو الجميع ألا يتوقفوا عن طرح المبادرات والجهود نحو مجتمع يتعايش مع الكتاب كما يتعايش مع مفردات الحياة اليومية التي لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنها.


من هذا الإيمان المطلق بقيمة القراءة أطلق شعار «قليل من الوقت كثير من الحياة»، ليكون شعار مبادرة أدعو الجميع للمشاركة فيها بالقراءة 6 دقائق يومياً، فحين نحرص عليها سنحقق الكثير من المعرفة، وتنمو العلاقة بين الإنسان والكتاب، كل ما علينا هو اختيار كتاب واختيار الوقت الذي يناسبك يومياً لقضاء تلك الدقائق الست في القراءة، فقد تكفي لقراءة من 6 إلى 10 صفحات، فخلال الشهر قد تنتهي من قراءة كتاب من الحجم المتوسط، أي ما يوازي 12 كتاباً سنوياً. وليست الأهمية الكبرى في العدد لكنها تكمن في تغير نمط الحياة بصورة إيجابية، فضلاً عما تقدمه لك القراءة من تنمية معرفية، وقدرة على امتصاص كل الطاقات السلبية التي قد تعصف بك خلال اليوم، فالقراءة تعيد لك الحالة الإيجابية الفعالة في تحسين الحياة، ويظل العقل في حركة اتساع دائمة، كل ذلك ينعكس على حياتنا ويجعلنا أكثر فهماً وإدراكاً لأنفسنا وللآخرين وللحياة.&
لا توجد حضارة نمت وأصبحت ذات قيمة تاريخية للإنسانية إلا وكانت القراءة وتنمية المعرفة جزءاً أصيلاً من الحياة اليومية لأفراد المجتمع فيها.

&

&