& حسين شبكشي

&

أتابع مثلي مثل غيري الأخبار الأخيرة في آخر أسبوعين، الخاصة بتغطية موضوع مقتل جمال خاشقجي. وكان لافتاً جداً بالنسبة لي صراع المتلقي على الأخبار.


وجدت أن هناك صراعاً واضحاً جداً في مصادر الأخبار، منحصراً بين التقليدي منها كالصحافة الورقية والمحطات الإخبارية، والجديد الرقمي كمنصات التواصل الاجتماعي، ولعل أهمها موقعا «تويتر» و«فيسبوك». الخبر الجاد يبدو أن مصدره دوماً الصحافة الجادة، فرأينا مساحة مستحقة للأخبار والتحقيقات التي خرجت من الصحافة الورقية بشكل استقصائي، فظهرت تأثيرات صحف مهمة، وكذلك محطات الأخبار العالمية الجادة.
بينما انتشرت في «تويتر» و«فيسبوك» الانطباعات والآراء الشخصية، حتى ولو غرد بها كبار الساسة، فهي بقيت كذلك. اللافت في كل ذلك هو أن هناك قاعدة إعلامية ثابتة: إن الخبر إذا ما تكرر بصيغة معينة ونمطية ثابتة انتقل من المساحة الورقية إلى الصورة الذهنية، ليتحول بعد ذلك إلى انطباع راسخ، فيتم «علك» القصة بنكهات مختلفة حتى تأتي أخرى لتصبح هي نكهة الشهر أو طبق اليوم.


تكريس الانطباع يتخصص فيه الإعلام التقليدي، فيلقي «بالطعم» ليتلقفه قطيع الإعلام الجديد ويركض به، ويتلون به، ويشكله بشكل سطحي ومعمق في آن واحد، فتضيع المصداقية بين المحترفين والهواة. والباحثون عن الحقيقة ليس لهم إلا الصبر، والبحث المضني بين الغث والسمين. اختلطت صناعة الخبر بالرأي، وأصبح الرأي إطاراً لكل خبر. لم أكن مقتنعاً أبداً بوجود منبر إعلامي «حيادي»، ولكن كان دوماً هناك استقلالية تحترم، ومهنية تفرض نفسها، كحدود دنيا على أقل تقدير.
الانقسامات السياسية التي يتشكل منها العالم اليوم تؤثر على منهجية الإعلام، فيصبح أكثر «يسارية» وأكثر «يمينية»، بحسب ميوله الأساسية التي انطلق منها. ولذلك خط الرسالة الإعلامية الأول يجب أن يكون من خلال الأدوات الإعلامية الجادة والتقليدية، فهي وحدها القادرة على إيجاد المضمون المهني المحترف القادر على تشكيل الانطباع الراسخ، الذي يتحول إلى وجبة دسمة ومؤثرة لقطيع الإعلام الجديد على منصاته المختلفة.


الرسائل المعلبة والموجهة لجمهور بعينه، سواء لثقافة معينة أو لغة معينة أو إثنية معينة أو جغرافية معينة، تبقى أكثر دلالة وأدق تأثيراً وأهم فعالية، وهي مسألة فطنت إليها الوسائل الإعلامية الكبرى، فتوجهت إلى وسائل إعلامية محددة بمنصات متخصصة لكل جمهور. الإعلام هو السلاح الأهم في كل المعارك اليوم لأن المعرفة قوة، والإعلام إذا ما استخدم بشكل فعّال هو مصدر معلومات، ولكنه أيضاً مصدر تأثير. وكما قالوا قديماً في الأثر: إن من البيان لسحرا! ستظل ساحة الإعلام جاذبة لكل التيارات لخوض معاركها، فهي معارك من نوع آخر أقل تكلفة وأكثر فعالية، والبقاء فيها للأدهى والأحوط.