&هادي اليامي& & &

هكذا هي السعودية دوما، مركز الحدث ومنبع الحقيقة، ومصدر المعلومة الموثوقة، فتفاصيل الوفاة الأليمة لم تأت من أوروبا، ولم تكشفها الفضائيات المنحازة، ولم توفرها وسائل الإعلام المأجورة، التي اسودّت نفوس ملاكها والقائمين عليها بالحقد الدفين، والضغينة المميتة، بل أتت من سلطات هذه البلاد المباركة

انتصرت المملكة للعدالة، ووقفت -كعادتها- إلى جانب العدل والإنصاف، وأعلنت بشجاعة متناهية وشفافية غير مستغربة في قادتها، وفاة الصحفي السعودي جمال خاشقجي -رحمه الله- في قنصلية إسطنبول، نتيجة شجار مع من ذهب إليه ليحادثه في أمر عودته إلى المملكة، بعد أن أبدى هو مؤشرات على ذلك، إلا أن النقاش اتخذ منحى سالبا، وتطور إلى اشتباك بالأيدي أفضى إلى موته.

وأوضحت السعودية -بكلمات لا لبس فيها- حقيقة ما جرى بتفاصيله الدقيقة، وأسهب البيان في وصفها، مسنودا بالوقائع غير القابلة للجدال، والأدلة الواضحة. هكذا هي السعودية دوما، مركز الحدث ومنبع الحقيقة، ومصدر المعلومة الموثوقة. فتفاصيل الوفاة الأليمة لم تأت من أوروبا، ولم تكشفها الفضائيات المنحازة، ولم توفرها وسائل الإعلام المأجورة التي اسودّت نفوس ملاكها والقائمين عليها بالحقد الدفين، والضغينة المميتة، بل أتت من سلطات هذه البلاد المباركة، التي لم تعرف طوال تاريخها سوى العدل والإنصاف. فبالأمس أماطت السلطات المسؤولة اللثام عن حقيقة ما جرى، وأوردت الحقائق الناصعة، ولم تكتف بذلك، بل أتبعته بإجراءات حاسمة صادرة عن أعلى سلطة في البلاد، وهي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإعفاء نائب رئيس جهاز الاستخبارات، اللواء أحمد عسيري، وعدد من كبار ضباطه، ومستشار الديوان الملكي سعود القحطاني، وتوجيه عاجل بإعادة هيكلة وتطوير وتحديث الاستخبارات، بما يضمن عدم تكرار ما حدث مستقبلا.

كما تم اتخاذ إجراءات عاجلة بحق من تورطوا في الشجار وتوقيفهم، وبدء التحقيق معهم، تمهيدا لتقديمهم إلى محاكمات عاجلة. المتابع للأمر، يجد أن العملية في مجملها كانت اجتهادا لم يحالفه التوفيق من مسؤولي الاستخبارات، الذين اتخذوا قرارهم بتنفيذ العملية، دون أن توجّه القيادة بذلك، ولم تكن على علم به، وأن الهدف الرئيس لأعضاء الفريق -حسب التكليف- هو التحدث مع خاشقجي وإقناعه بالعودة، وليس تهديده أو الاعتداء عليه أو قتله، وهذا هدف مشروع لا يتناقض مع القانون، ما دام قائما على محاولة الإقناع، ومحصورا في إطار النقاش والتفاوض، إلا أن أفراد الفريق -كما أوضحت السلطات في بيانها- تجاوزوا صلاحياتهم عندما هددوه بالاختطاف، وحاولوا إسكاته بعد أن بدأ في الصراخ، وكان نتيجة ذلك أن توفي. وهذا السرد الذي قدمته السلطات المختصة -بلا رتوش- هو ما حدث بالضبط، وهو ما تسنده القرائن وتؤكده الذرائع، لذلك لم تتردد المملكة في إعلانه على الملأ، متوعدة كل من أخطأ بالعقاب والإحالة إلى محاكمة عاجلة، حال انتهاء التحقيقات. والمتابع للبيان الضافي الذي أورده مصدر مسؤول، ونشرته وكالة رويترز، يجد أنه يتصف بالتماسك والترابط، وهو سرد حقيقي لما حدث، لم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها، ولم يدع سؤالا قد يخطر في بال أحد إلا وأجاب عنه.

ولم تتردد الرياض في إعلانه على العالم أجمع، انطلاقا من مسؤوليتها في توضيح الحقائق، وجريا على عادتها التي سارت عليها منذ تأسيسها في ضمان الحقوق، وإنصاف المظلوم، وصون الدماء المعصومة. فلم تتم مداراة أي جزء من الحقيقة، حتى محاولة بعض من كانوا في القنصلية التغطية على ما حدث والتكتم عليه، تم التطرق إليها في البيان. والمنصف يقر بأن القضاء السعودي الذي يتمتع بالمصداقية والاستقلالية، يتشدد في قضايا الدماء، ولا يسمح فيها بإفلات الجناة، تحت أي من الظروف. والدليل على ذلك اعتقال 18 شخصا يمثلون أعضاء الفريق الذي ذهب لمقابلة خاشقجي في إسطنبول، إضافة إلى 3 آخرين منذ فترة، وانطلاق التحقيق معهم، هو دليل على اهتمام المملكة بالوصول إلى الحقيقة ورد الحقوق إلى أصحابها. وتشير الأنباء الرسمية إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي عرف دوما بالحرص على سلامة مواطنيه وضمان مصالحهم، أصدر توجيهاته الصارمة بإحالة كل من تورط في الحادثة -كائنا من كان- إلى العدالة، وإيقاع العقاب الشرعي بحقه، لذلك فإن المطلوب الآن هو إفساح المجال للقضاء ليقول كلمته ويحاكم المتورطين، وعدم التأثير على عمل القضاة بتصريحات صحفية سالبة، أو محاولة صب مزيد من الزيت على النار.

الحمد لله، فقد انجلت الأزمة، واتضحت الحقائق، ووقفت بلادنا مع المظلوم، واتخذت جانب الحق لتقف عنده، وتلك نعمة مغبون عليها كثيرون، وهكذا اعتدنا دوما من حكامنا على الإنصاف والعدل، فلم تأخذهم في الحق لومة لائم، ولم يترددوا عن إزالة الغموض، وتفسير الأمور على حقيقتها. رحم الله خاشقجي، وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى، وألهم أسرته الكريمة وأصدقاءه وزملاءه الصبر وحسن العزاء. أما الذين يبحثون عن الثغرات، ويفتعلونها، ولا يجتهدون سوى في إثارة الأزمات واختلاق الفتنة، فنقول لهم: إن ما ذكرته المملكة في بداية تفجر الأزمة لا يبارح الحقيقة، لأن نفيها مقتل خاشقجي داخل القنصلية كان ناتجا عن التقرير المضلل الذي قدمه الفريق للسلطات بعد عودته. وفي الرجوع إلى الحق فضيلة، كما يقولون، والشجاعة في الاعتراف بالخطأ والإقرار به، وليس التمادي فيه ومحاولة خداع العالم أجمع، ومهما فعلت قنواتهم المضللة، ووسائلهم الإعلامية التي تناست رسالة الإعلام السامية، وواجبه المقدس، وانساقت وراء الأحقاد الشخصية والمصالح الخاصة، واجتهدت في تزوير الحقائق وافتعال الأزمة، والإساءة إلى سمعة هذه البلاد المباركة، وتأليب الآخرين عليها، فإن الحقيقة تبقى واضحة عن السيرة الناصعة للمملكة العربية السعودية، وهي أكبر من أن تحجب بغربال.

&