& كفاح زبون

لا تعرف إسرائيل ماذا ستفعل مع حماس في قطاع غزة غداً. فالحركة التي تحكم سيطرتها على القطاع من 2007 ليست دولة يمكن هزيمتها في حرب كلاسيكية. إذ لا مقرات لرئيس ولا وزارة للدفاع... لا مطارات، لا ثكنات للجيش. ثم إنه ليس لها عملة يمكن أن تهوي في أي حرب. إنها مثل شبح يوجد في كل مكان،... في كل شخص في كل بيت وشارع وزقاق وتحت الأرض، ولا تبدو هزيمتها أو التخلص منها فكرة ممكنة.

هذه المعضلة هي التي جعلت واحداً من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، بعد عدة حروب كبيرة ومواجهات أصغر، وكرٍّ وفرّ وكمّ كبير من الاغتيالات، محتاراً في كيفية هزيمة فصيل مسلح بدأ بمجموعات عسكرية صغيرة، وظل ينمو حتى بنى قوات شبه منظمة وليست نظامية.

تريد إسرائيل كبح جماح حماس، إلا أنها في المقابل، تريد «لحكمها» أن يبقى في غزة، وذلك لأنه يعني استمرار الانقسام. لكن إسرائيل أيضا تعاني من أن بقاء حماس هناك يعني تطوراً مستمراً للقدرات العسكرية.

إنها معضلة. لكن قبل حماس وبعد حماس، كانت غزة وستبقى عقدة مستعصية على الحل.

بعد 13 سنة من انسحاب إسرائيل أحاديا من قطاع غزة، ما زال القطاع الصغير والمحاصر عقدة تستعصي على الحل. لقد جربت إسرائيل كل شيء في غزة. أبقتها قديماً مع الحكم المصري، ثم احتلتها، ثم سلمتها إلى السلطة الفلسطينية، ثم انسحبت، ثم شنت عدة حروب طاحنة ومدمرة. كل هذا من دون أن يتضح أن إسرائيل نجحت مرة واحدة في التخلص من صداع القطاع الصغير والمكتظ بالسكان.

على مدار سنوات طويلة من جولات المواجهة في القطاع، ظلت غزة التي يحلو للإعلام الإسرائيلي تسميتها بـ«طنجرة الضغط» تغلي على نار هادئة، فلا هي انطفأت ولا هي انفجرت، بل ظلت مثل قنبلة تحتمل الانفجار.

تعود مشكلة إسرائيل مع غزة حتى ما قبل احتلالها عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري. إذ تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948. ثم شن أول هجوم إسرائيلي عليها في 14 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1948، أي بعد ثلاثة أيام من إعلان الاستقلال في إسرائيل. وعاد بعد 7 سنوات، أثناء حملة سيناء، لاحتلال القطاع الذي لم يدم طويلا، قبل أن يعود وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان لاحتلال القطاع عام 1967.

في العام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا «ساحة حرب» صغيرة مزعجة للدولة النووية إلى الحد الذي تمنى معه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين لو تغرق غزة في البحر.

- في أيدي عرفات

هربت إسرائيل من غزة عام 1993. وسلمتها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحتى العام 2005 شنت إسرائيل 4 حروب، حتى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في 2005، الانسحاب من غزة ضمن خطة عُرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب»، وبموجبها أخلت إسرائيل 21 مستوطنة في القطاع، ومعها معسكرات الجيش الإسرائيلي.

أجبر شارون 8.600 إسرائيلي على ترك المستوطنات متعهداً بأن خطته هذه «ستحقق أقصى مستوى من الأمن». لكن بعد ذلك، اضطرت إسرائيل لشن حروب كبيرة وصغيرة، ومواجهات لا تحصى، أثبتت آخر جولاتها - التي بقيت يومين فقط - أن الإسرائيليين لم ينعموا أبدا بالأمن، وإنما لفرط الرعب راحوا يتظاهرون ضد حكوماتهم لأنها تفشل في جلب حياة عادية لهم.

إنها مظاهرات جعلت السياسيين الإسرائيليين في انقسام، يتبادلون اتهامات قديمة حول الفشل في التعامل مع غزة. وبينما ما زال النقاش محتدماً داخل إسرائيل حول كيفية التعامل مع القطاع، يعيش سكانه البالغ عددهم 1.8 مليون مأساة متواصلة، بفعل حصار مستمر منذ 11 سنة، جعل «طنجرة الضغط» تغلي بتسارع كبير نحو مواجهة غير مسبوقة.

- هدوء أم حرب؟

لن يستطيع شخص واحد في حماس أو إسرائيل الإجابة عن هذا السؤال، غير أن الأكيد بالنسبة لهما أنهما سيكونان يوما ما أمام حرب ضروس.

لكن متى؟

ربما قربت المواجهة الأخيرة التي انتهت قبل أيام من هذه الحرب المنتظرة، إذا أرسل الطرفان ما يكفي من رسائل حول جاهزيتهما لهزيمة الآخر.

وخلال يومين فقط دمر الجيش الإسرائيلي، وفق الناطق باسمه يوناثان كورنيكوس، أكثر من 150 هدفاً عسكرياً، تشمل «أهدافاً استراتيجية مهمة... وذات قيمة بالنسبة لحماس ولها تأثير نفسي». وشملت الأهداف التي قصفتها إسرائيل مباني كبيرة، بينها مبنى قناة «الأقصى» التابعة لحماس، ومقر جهاز الأمن الداخلي، ومجمّع وزارات، بالإضافة إلى بناية قالت إسرائيل بأنها تابعة لاستخبارات الحركة.

قابل ذلك إطلاق الفصائل الفلسطينية نحو 400 صاروخ وقذيفة باتجاه مستوطنات وبلدات إسرائيلية قريبة من الحدود، مجبرة عشرات آلاف الإسرائيليين في الجنوب بالبقاء بالقرب من الملاجئ. وشكل هذا العدد بالنسبة للطرفين أكثر من ضعفي أي عدد لغارات وصواريخ شنت أو أطلقت خلال هذه الفترة (يومين) في أي حرب سابقة.

لقد استعرضت إسرائيل قدرتها على قصف مبانٍ مهمة، في حين استعرضت حماس قدرتها على إسقاط صواريخ على المستوطنات، وزادت على ذلك بفيديو يظهر قدرة مقاتليها على اصطياد حافلة إسرائيلية بصاروخ «كورنيت».

لم يتردد مراقبون في الطرفين بالقول إنها كانت بروفة المواجهة الصعبة. وقال يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، بأن «الحركة وفصائل المقاومة لن تسمح للاحتلال بتكرار الاعتداء على قطاع غزة»، في إشارة إلى أن زمن الاعتداءات بلا مقابل انتهى. وهذا التهديد قابله وزير الإسكان الإسرائيلي يوآف غالانت بالتأكيد على «أن إسرائيل لن تسمح لحماس مجدداً بتحديد قواعد اللعبة»، في إشارة إلى أن إسرائيل لن تسمح لحماس بإطلاق صواريخ ثم العودة إلى تهدئة.

وهكذا، في حين يهدد الطرفان بحرب لا يريدانها، يظل السؤال القائم هو... إلى متى سيتجنبان ذلك؟

يقول أليكس فيشمان، المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بأن «إسرائيل وحماس تجدان أنفسهما، في رحلة جوية خطيرة إلى اللامكان»، مضيفا «كلا الجانبين عالق في وضع يتعين عليهما فيه إعطاء تفسير لجمهورهما وإعادة بناء الردع». وهذا الردع، الذي سعت إليه كل من إسرائيل وحماس، وصفه بن كسبيت، المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بأنه «فخ». وقال إن إسرائيل وحماس علقتا في «فخ ردع متبادل... ومن كثرة حالات أن الجميع في هذه القصة يردعون الجميع، لم يعد أحد يرتدع من أي شيء!».

- حيرة وفشل وخوف

على الأقل، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية الكثيرة والحروب المتتالية وعدد الهدن التي عقدت في وقت قصير تشير إلى حيرة إسرائيلية كبيرة في التعامل مع القطاع، وربما إلى عجز. ويترجم ذلك ما قاله الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف، ذات مرة، بقوله إن «القصة بين إسرائيل وغزة طويلة ومستمرة منذ عام 1948. كانت وما زالت وستبقى علاقة عنف وضغط وإحباط ويأس واتفاقيات وفرص ضائعة». ويرى الكاتب أن سلسلة الحروب الطويلة التي شنتها إسرائيل على غزة في السنوات الأخيرة تثبت ما ذهب إليه بن غوريون نفسه عام 1948، بما معناه «لو غزونا غزة ألف مرة، فإنها لن تخضع».

وحقاً، ليس أكثر دلالة على هذا الواقع سوى أن جولة حرب من يومين كانت كفيلة بإسقاط وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ووضع حكومة إسرائيل في مهب الريح.

في الحقيقة لم تكن جولة اليومين هي السبب بل المعضلة الأساس وهي كيف نتعامل مع غزة؟

- غزة التي أطاحت ليبرمان

بعد ساعات قليلة فقط على موافقة الحكومة الإسرائيلية على تهدئة أخرى في غزة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان استقالته من الحكومة، قائلا إنه استقال بسبب «الاستسلام أمام الإرهاب». وأردف «نحن نشتري الهدوء على المدى القصير، لكن ثمنه الأمن القومي على المدى البعيد». وجاءت الاستقالة بعد يوم من دخول هدنة بين حماس وإسرائيل حيز التنفيذ إثر جولة قتال عنيفة تخللها إطلاق مئات الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة وتنفيذ إسرائيل عشرات الغارات على أهداف في القطاع.

انسحاب حزب ليبرمان من الائتلاف الحاكم ترك القاعدة البرلمانية للحكومة هشة (61 مقعداً من مجموع 120 مقعداً في البرلمان)، ولذلك فإن انسحاب أي شخص فيها يهدد بسقوطها. ومن ناحية ثانية، أشعلت الاستقالة خلافات طاحنة في إسرائيل وردود فعل متباينة. وخرج الوزير نفتالي بنيت، رئيس حزب المستوطنين، بهجوم كاسح على ليبرمان، واصفاً إياه بأنه «وزير الدفاع الأفشل في تاريخ إسرائيل». وللعلم، يسعى بنيت إلى تولي حقيبة ليبرمان «من أجل الإطاحة بغزة» كما يقول. لكن المشكلة في غزة ليست مشكلة وزراء وأشخاص.

لقد خرج آلاف المستوطنين في مظاهرات ضد نتنياهو هاتفين «ارحل يا بيبي» محتجين على الفشل في معالجة صواريخ غزة. وأظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية غداة الجولة التصعيدية الأخيرة في القطاع، أن معظم الجمهور الإسرائيلي غير راضٍ عن أداء رئيس الوزراء، إذ قال 74 في المائة من المستفتين إنهم غير راضين عن أداء نتنياهو الأمني، مقابل 17 في المائة أعربوا عن رضاهم.

وفي استطلاع آخر للرأي، قال 64 في المائة من الإسرائيليين إنهم يعتقدون أنه كان يتوجب مواصلة العملية العسكرية ضد قطاع غزة، وقال 49 في المائة بأنهم يعتبرون أن «حماس انتصرت»، مقابل 14 في المائة يعتقدون أن إسرائيل هي المنتصرة. في حين قال 15 في المائة إن أيا من الأطراف لم يخرج منتصرًا من هذه الجولة القتالية القصيرة. واتضح من الاستطلاع، الذي أجرته هيئة البث الإسرائيلية الجديدة «كان»، أن 21 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون وقف إطلاق النار مع القطاع مقابل 64 في المائة يرون أنه كان يتوجب مواصلة العملية العسكرية، وربما توسيع الضربات والغارات.

والى جانب ذلك، وجه مسؤولو دفاع في إسرائيل انتقادات حادة لتعامل الحكومة مع التصعيد في غزة، وقالوا إن الاعتبارات الأمنية في إسرائيل أصبحت «مسيّسة بصورة متزايدة». وأشار مسؤولون لم تُذكر أسماؤهم أن حكومة نتنياهو فشلت في إبلاغ مجلس وزرائها الأمني بالسياسة الرسمية حول العمل العسكري في غزة. واعتبر مسؤول لهيئة البث الإسرائيلية «أن قيمة عقد جلسة للكابينت [الأمني] هي صفر». وكان «الكابينت الأمني» قد وافق على اتفاق غير رسمي لوقف إطلاق النار مع حركة حماس في قرار عارضه عدد من وزرائه. وذكرت «القناة 10» أن ليبرمان، ووزيرة العدل أييليت شاكيد، ووزير حماية البيئة زئيف إلكين، ووزير التربية والتعليم نفتالي بنيت، طرحوا رداً بديلاً، لكن الوزراء الآخرين رفضوه. وكان الرد هو توجيه ضربة قاسية لحماس.

ولكن هذا التهديد قديم عمره سنوات طويلة، ورفضه وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تساحي هنغبي، معتبراً أن توجيه «ضربة قاسية يعني شللا في تل أبيب مع مئات الصواريخ في كل يوم. سيشل مطار بن غوريون لأسابيع، فلا حرب من دون ثمن، وفي نهاية هذه الحرب وبعد المئات من الجنائز للشبان الصغار سنعود إلى النقطة الراهنة نفسها».

- خيارات الإنقاذ «مصالحة»

قد لا يكون أمام إسرائيل وحماس سوى خيار واحد الآن هو عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. وهذا خيار قد يؤجل الحرب إلى أجل غير مسمى، غير أنه صعب ومعقّد إلى حد كبير، لأنه مرهون بمصالحة ما زالت تراوح مكانها. لكن، ربما من محاسن الجولة الأخيرة للحرب، أنها فتحت أبواباً جديدة لهذه المصالحة. ولم يتردد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القول، قبل يومين فقط، بأن «الطريق مفتوح الآن من أجل إزالة أسباب الانقسام وتحقيق المصالحة»، مطالباً حماس «بتنفيذ أمين ودقيق لاتفاق القاهرة» الذي وقع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

عباس أكد، لدى ترؤسه اجتماعات للقيادة الفلسطينية واللجنة العليا المكلفة بتنفيذ متابعة قرارات المجلس المركزي، أن «الطريق سالكة اليوم لتحقيق إزالة أسباب الانقسام عبر التنفيذ الدقيق والأمين للاتفاق الذي وقع في 12-10-2017 بشكل شمولي، وبما يضمن تحقيق الوحدة الوطنية والسياسية والجغرافية، واستنادا إلى العودة إلى إرادة الشعب وصناديق الاقتراع». وأضاف «وحدتنا الوطنية هي الأساس، والتعالي عن الخاص لصالح العام، والانعتاق من التعصب التنظيمي ووضع استقلال فلسطين والقدس فوق أي اعتبار، يجب أن تكون نقطة الارتكاز لجميع أبناء شعبنا».

وأمس ترأس عباس اجتماعاً طارئاً للقيادة خصص لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وأيد وقف جولة المواجهة هناك مؤكدا أن هدفه دائماً كان «تجنيب الشعب المزيد من المجازر وجرائم الحرب التي ترتكبها سلطة الاحتلال الإسرائيلي».

وأدان عباس «العدوان الإجرامي على قطاع غزه، محملا الحكومة الإسرائيلية (سلطة الاحتلال) المسؤولية الكاملة عن نتائج وتداعيات هذا العدوان». وجاء الاجتماع في رام الله بعد يومين على تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي رعته مصر وشاركت فيه دول أخرى. ولقد أعاد الاتفاق الحالي الوضع إلى ما كان عليه سابقا بما يضمن تحقيق الهدوء، مقابل إدخال أموال ووقود إلى القطاع، والسماح بتخفيف الحصار وإقامة مشاريع إنسانية.

وكان عباس هدد باتخاذ إجراءات قريبة فيما يخص العلاقة مع هذه الأطراف بما في ذلك حماس، لكن جولة القتال الأخيرة في غزة قد تجعل قراراته أبعد فيما يخص حماس. ويريد الرئيس الفلسطيني الآن العودة لحكم غزة، ثم توقيع اتفاق مع إسرائيل بشأن القطاع.

ومن جانبه، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، إن القيادة تركز على وجوب تثبيت التهدئة، «لكن الطريق إلى التهدئة يجب أن تتم عبر منظمة التحرير والفصائل الوطنية والإسلامية على غرار ما حصل في التهدئة التي وقعت عام 2014. لأن إسرائيل تحاول أن تستفرد بهذا الفصيل أو ذاك وتحويلنا بدلا من سلطة واحدة إلى مجموعة سلطات وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً». وتابع «الطريق إلى التهدئة هي بالوحدة الوطنية وإزالة أسباب الانقسام».

صحيح أن الطرفين يريدان مصالحة، لكن عقبات كثيرة تقف أمام ذلك. فحركة فتح تصرّ على تسلم كامل لقطاع غزة يشمل الأمن والمعابر والجباية المالية والقضاء وسلطة الأراضي، ووضع اتفاق حول سلاح الفصائل، رافضة ربط المصالحة بالقرارات التي اتخذها الرئيس محمود عباس ضد قطاع غزة. ولقد رفضت دفع رواتب موظفي حماس العسكريين، وأي نقاش حول ملف منظمة التحرير قبل إنهاء الانقسام. وردّت حماس، في المقابل، برفض تسليم غزة من دون رفع العقوبات، واشترطت تشكيل «حكومة وحدة وطنية» جديدة، ودفع رواتب موظفيها بالكامل، رافضة أي نقاش متعلق بالسلاح، ومصرة على فتح ملف منظمة التحرير وإجراء انتخابات للمنظمة.

في ظل هذا الواقع، لا توجد حرب في غزة ولا هدنة... ولا توجد هناك مصالحة كذلك. إنما «طنجرة ضغط» ما زالت تغلي.

- غزة الأكثر كثافة في العالم: 1.76 مليون نسمة في 360 كيلومترا مربعا

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد عن 360 كيلومترا مربعا، بطول 41 كلم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كلم، يعيش في قطاع غزة أكثر من 1.76 مليون نسمة، وهو ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم. وهو يسمى بقطاع غزة نسبة لأكبر مدنه... غزة.

تبلغ نسبة الكثافة فيه وفقاً لأرقام حديثة 26 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 55 ألف ساكن تقريبا بالكيلومتر المربع.

ويشكل القطاع مع الضفة الغربية، وهي الجزء الفلسطيني من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 5 يونيو (حزيران) 1967، الأراضي التي تسعى السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها.

وحالياً، يوجد في القطاع 44 تجمعاً سكانياً، أهمها: غزة ورفح وخان يونس وبني سهيلا وخزاعة وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة ودير البلح وبيت لاهيا وبيت حانون وجباليا. ويقول البنك الدولي إن القطاع يمثل الآن أسوأ اقتصادات العالم أداء، وفيه أعلى معدل بطالة في العالم إذ يبلغ أكثر من 50 في المائة، ويمثل من هم في سن 20 - 24 سنة نسبة 68 في المائة بين العاطلين.


- حكاية غزة مع مسلسل العمليات العسكرية

كانت إسرائيل تعتقد أن تسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية عام 1994 سيحوّلها إلى شرطي على الحدود، وكان هذا بمثابة وهم جديد. إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليم السلطة لها بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005. انسحبت إسرائيل فعلا من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب». وفي 25 سبتمبر (أيلول) 2005 شنت إسرائيل عملية «أول الغيث» وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين.

بعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006. شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد»، ثم في فبراير (شباط) 2008، عادت من جديد لتنفذ عملية «الشتاء الساخن». وفي نهاية العام، وتحديداً في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، شنت إسرائيل إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية، وعُرفت باسم «الرصاص المصبوب».

وبعد أربع سنوات، عام 2012. شنت إسرائيل عملية «عمود السحاب». وفي 2014 شنت حربا دموية باسم «الجرف الصامد» ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من ألف قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً. وقبل أيام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 خاضت جولة قاسية مع حماس. ولا أحد يعرف متى ستكون المواجهة التالية.