&عبدالحق عزوزي&

&شاركتُ في الاجتماعات المتوسطية التي تعقد في الفضاء المتوسطي، والتي تجمع 43 دولة. وفي كل مرة أُدعى لنقاشات ومساهمات فكرية تكون مناسبةً للتأصيل للمواضيع التي تهم بلدان وشعوب المنطقة، وحُقَّ لنا أن نقوم بهذا العمل، للبحث عن الحقيقة، وتحليل الماضي والحاضر، ولرصد كل الاحتمالات والمشاهد الممكنة للزمن الآتي. وكانت مناسبة لي للحديث عن الشخصية المغربية والاستثناء المغربي في محيطه الإقليمي:


-الطابع السلمي والوحدوي: فقد دعا& جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء إلى الحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة، تجاوزاً للخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين. ولهذه الغاية، اقترحَ& جلالة الملكُ على أشقائه في الجزائر إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، يتم الاتفاق على مستوى التمثيل بها وشكلها وطبيعتها. وأكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بها الجزائر، بهدف تجاوز حالة الجمود في العلاقات بين البلدين. وتوالت ردود الفعل الدولية التي حيت وتحيي هذه الدعوة الأخوية لرأب الصدع المغاربي، خلافاً لما يجمع شعوب المنطقة من أواصر الأخوة، ووحدة الدين واللغة، والتاريخ والمصير المشترك. «فهذا الواقع لا يتماشى مع الطموح الذي كان يحفز جيل التحرير والاستقلال إلى تحقيق الوحدة المغاربية، والذي جسده، آنذاك، مؤتمر طنجة سنة 1958، الذي نحتفل بذكراه الستين. وقبل ذلك، ساهم موقف المملكة المساند للثورة الجزائرية في توطيد العلاقات بين العرش المغربي والمقاومة الجزائرية، وأسس للوعي والعمل السياسي المغاربي المشترك. فقد قاومنا الاستعمار معاً، لسنوات طويلة حتى الحصول على الاستقلال، ونعرف بعضنا جيداً. وكثيرة هي الأسر المغربية والجزائرية التي تربطها أواصر الدم والقرابة»، كما جاء في الخطاب الملكي. إن مصالح شعوب المنطقة التي يدعو إليها المغرب هي في حسن النية والوحدة والتكامل والاندماج والواقعية والعمل الجاد وروح المسؤولية والوضوح والطموح..


-طبيعة الشخصية المغربية التاريخية: وهي التي مكنت اليوم الفاعلين السياسيين والمجتمعيين داخل المجال السياسي العام، من إنجاح الميثاق السياسي والتعاقدي، خلافاً لكل دول المنطقة، انطلاقاً من مبادئ التنازل والتوافق والثقة التي عليها نجاح الميثاق السياسي بين كل النخب السياسية. وقاعدة التنازلات المتبادلة يجب أن تكون مقرونة بجهد فكري وميداني يجعل كل الأطراف تعي حدود التنازلات وحساسية المجال التفاوضي السياسي.. وذلك يستلزم ثقة متبادلة بين الأطراف ومخرجاً عقلانياً حتى تصبح المعادلة إيجابية وتمكن من خلق مجال سياسي عام تشرك فيه جميع الأطياف المجتمعية من دون استثناء، والتأصيل لعقد سياسي يمكن من خلق الثقة وإشراك الجميع في قاطرة التمثيلية والتنمية، وهو ما نجح فيه المغرب.&
-الموقع الجيوستراتيجي للمغرب: فالمغرب كدولة مغاربية وعربية تقع في شمال أفريقيا، بقي لقرون صلة وصل بين ضفتي المتوسط وأوروبا وأفريقيا. وقد ساهم الاستقرار والانفتاح السياسيان في إعطائه مصداقية كبيرة، قارياً ودولياً. كما نشر المغربُ الإسلامَ الوسطي في منطقة الساحل وجنوب الصحراء الكبرى، وهناك حالياً العديد من دول أفريقيا تطرق باب التسامح والتكوين الدينيين المثاليين في المغرب، لتكوين أئمتها. فقد انخرط المغرب بوتيرة سريعة في سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني، وأعاد الاعتبار للتفكير العمومي كقاطرة لتدبير قضايا التحديث بالبلاد، بمراجعة العديد من القوانين والتشريعات المنظمة لهذا المجال، كتأسيس معهد الأئمة والمرشدات، وتبني مشروع طموح لتأهيل مدارس التعليم العتيق، والتأطير الديني للمغاربة المقيمين بالخارج، وإحداث مجلس علمي للجاليات.. إلخ.


ولذلك فإن تحصين الشأن الديني وتدبيره يعتبر من الدعامات المؤسسة للهوية الوطنية، ما جعل المؤسسات العليا للبلاد، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرشَ سنة 1999، ترسم استراتيجيةً دينية لم يعهدها تاريخ المغرب المعاصر. فلم يعد هذا المجال يخضع لاستراتيجيات قطاعية أو ظرفية، بل أصبح ينظم وفق منظور شامل أعطى نتائجه على أرض الواقع.

&

&