&يوسف دياب

توترت العلاقة بين فريقي الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على خلفية تلويح عون بإرسال رسالة إلى البرلمان حول معضلة تشكيل الحكومة، ما ينذر بتحويل أزمة التأليف من الخلاف التقليدي على الحصص وحجم التمثيل الوزاري لكل فريق وتأثير ذلك في إدارة سياسة الدولة على طاولة مجلس الوزراء، إلى صراع على الصلاحيات، وهو ما يضع مصير التسوية على المحك.

ورغم أن رسالة عون للبرلمان لم يكتب مضمونها بعد، اعتبرت مصادر تيار «المستقبل» أن أي رسالة يراد منها انتزاع تكليف الحريري، تشكل استفزازاً غير مسبوق للطائفة السنية، في حين رفضت مصادر القصر الجمهوري وضع هذه الرسالة في خانة التعدّي على الصلاحيات الدستورية للرئيس المكلف أو الانتقاص منها.

الحريري لن يعتذر عن تأليف الحكومة ولن يكرس مبدأ توزير علوي

وكتب&وليد شقير في الحياة اللندنية : قال مصدر مطلع على موقف الرئيس المكلف سعد الحريري ل"الحياة" أمس أن الأخير يتعاطى مع أزمة تعطيل تأليف الحكومة انطلاقا من مجموعة ثوابت لن يغير فيها الاشتباك السياسي الأخير بينه وبين رئيس الجنهورية العماد ميشال عون، حول الصلاحيات في عملية التأليف والأسس الدستورية التي تتحكم في تشكيلها.

وأوضح المصدر إياه أن من هذه الثوابت:

1- لا اعتذار من قبله عن التأليف لأن هناك من أراد إدخال لبنان في نفق سياسي يتعدى في أهدافه الأزمة الحكومية المفتعلة، وتحديدا "حزب الله"، لأغراض تغيير في المعادلة الداخلية بالتناغم مع الصراعات الإقليمية التي تشهدها المنطقة. ويعتبر المصدر أن الاعتذار من قبل الحريري كان يمكن أن يكون موضوعا على الطاولة أمامه لو أنه فشل في التوصل إلى تأليف حكومة الوحدة الوطنية التي كانت هدفه منذ تكليفه، بينما واقع الحال هو أن الحريري نجح في إنجاز حكومة الوحدة الوطنية هذه وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية وكان على وشك أن يعلنها بالاتفاق معه حين قام "حزب الله" بإفشال ذلك عبر شرطه تمثيل النواب السنة الستة حلفائه. وآلية العمل التي اعتمدها وصولا إلى حكومة الوحدة وصلت إلى نتيجة. وكان يمكن أن يفكر بالاعتذار لو أنه لم يصل إلى نتيجة عملية وتحت ضغط الفشل في إنجاز حكومة الوحدة.

ويضيف المصدر، أنه حين نتكلم عن حكومة الوحدة الوطنية التي أنجز الحريري مسودتها، فهذا يعني تمثيل المكونات السياسية الطائفية الرئيسة كافة كما جاء في مشروع الحكومة التي أنهى إعدادها.

2- أن لا تغيير بالنسبة إليه في القواعد الدستورية للتأليف والتي تنيط به تلك المهمة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ولن يقبل بتغيير التوازنات المعهودة في تأليف الحكومات عبر اختراع فكرة حكومة من 32 بهدف تعديل هذه التوازنات على الصعيد الطائفي بإضافة وزير علوي وآخر سرياني باسم تمثيل الأقليات.

3- أن السياسة التي يعتمدها الحريري منذ التسوية الرئاسية هي التوافق مع رئيس الجمهورية باعتباره باعتباره أهم ضمانة للاستقرار السياسي في البلد، وهو مازال على قناعته هذه. وهذا المبدأ هو الذي دفع الرئيس عون إلى القول في 31 تشرين الأول (أكتوبر) أنه يوافق الحريري على عدم تمثيل النواب السنة الستة لأنهم ليسوا كتلة نيابية واضحة منذ البداية.

لا أبواب موصدة

ويقول المصدر ردا على سؤال ل"الحياة" عن المخرج بعدما وصلت الأمور إلى الاشتباك الإعلامي مع الرئيس عون، إن المشكلة الواقعة الآن بين الرئاستين تتطلب الانتظار لمعرفة الوجهة التي ستسلكها. وإذا كان الرئيس عون سيتوجه برسالة إلى البرلمان يفترض أن نترقب ماذا ستتضمن وما ستطلبه من النواب، وكيف سيتعاطى معها الرئيس نبيه بري، ثم النواب أنفسهم. وعما إذا كانت المشكلة الواقعة بين الرئاستين تتيح عودة العلاقة بينهما إلى سابق عهدها من التعاون، يرى المصدر أنه ليس هناك فرضيات نهائية على رغم أن الخلاف وقع بينهما. وإذا توفرت الإرادة يمكن إيجاد حلول له، لأن في السياسة ليس هناك أبواب موصدة. والأمر يتوقف على الحجم الذي ستبلغه المشكلة في قابل الأيام.

وفيما يستند المصدر إلى موقف الرئيس عون قبل أكثر من شهر برفضه فرض "حزب الله" شرطه تمثيل حلفائه السنة على الحريري، فإن الموقف الأخير لرئيس الجمهورية يدل إلى أنه عدل عن هذا الرفض، وبالتالي هناك معطى جديد بات يتحكم بظروف التأليف هو انسجام عون مع مطلب الحزب. يجيب المصدر المطلع على موقف الحريري إزاء ذلك بقوله ل"الحياة" إنه في هذه الحالة على رئيس الجمهورية أن يحل المشكلة بأن يعطي وزيرا يرضي مطلب الحزب، من حصته لا من حصة الحريري، الذي من حقه أن يسأل لماذا يأتي الحل على حسابه هو وضد مصلحة المكون الذي يمثل؟ وهل عليه هو أن يدفع ثمن رغبة الرئيس عون بأن يحصل رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل على 11 وزيرا بدلا من عشرة؟

تجريد الحريري من وزيرين

ويتابع المصدر: سلوك الحريري في التأليف قام من البداية على أنه لا يريد مشكلة مع أي فريق. وحين قال بحكومة وحدة وطنية تتمثل فيها القوى الرئيسة أدى ذلك إلى استثناء بعض القوى من دون أن يمس الأمر بالتوازن بين المكونات. وإذا كان من أقلية لم يتم تمثيلها فإن كلا من حزب "الكتائب" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" يمثل قوة انتخابية وسياسية تفوق قوة النواب السنة الستة. كما أن الحريري لم يجاري من يعترضون على تمثيل "حزب الله" في الحكومة بل وافق على هذا التمثيل، فلماذا يقبل بأن يفرض الأخير عليه وزيرا من حصته السنية؟

يأخذون منه وزيرين

وكشف المصدر عن أن الوزير باسيل حين زار الحريري الخميس الماضي ليطرح عليه اقتراح ال32 وزيرا كان الجواب أن هذا الأمر طرح في الأسبوع الأول من التكليف ولم يوافق عليه، وأنه يدخل البلد في معادلة جديدة غير موجودة أصلا في الحياة السياسية اللبنانية.

ويتابع المصدر: في وقت يجب طرح فكرة حكومة من 24 أو 18 وزيرا لأن بعض الفرقاء والرأي العام يتحدثون عن وجوب التقشف في الإنفاق ومعالجة الهدر، جاء طرح صيغة ال32 وزيرا مناقضا لهذا التوجه. هذا فضلا عن أنها تخل بالتوازن حين يراد منه تكريس مبدأ توزير علوي، حتى لو تم إغراؤه بأن يسمي رئيس الحكومة الوزيرين العلوي والمسيحي من الأقليات، مقابل وزير سني حليف للحزب. وإذا كان البعض يحسب هذه الصيغة على أنها تعطي الحريري وزيرين إضافيين، فإن الحقيقة هي أنه سيؤخذ منه وزيران، فتكريس مبدأ توزير علوي يعني في نهاية المطاف الحصول على وزير "شيعي" إضافي وعلى وزير سني ولاؤه للقوى السياسية المهيمنة على القرار الشيعي، وبالتالي ليس صحيحا أن رئيس الحكومة يحصل في هذه الحال على وزيرين.

ويشير المصدر المطلع ل"الحياة" إلى أن هناك اتصالات مستمرة بين فريق الحريري والرئيس بري، ومع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط و"القوات اللبنانية" من أجل التشاور حول المرحلة المقبلة والتطورات الأخيرة.

ماذا عن تردي الوضع الاقتصادي ومفاعيله السياسية في حال طالت الأزمة واتجهت علاقة عون والحريري إلى التأزم، في وقت تشتد حملة "حزب الله" وحلفائه على الرئيس المكلف لتحميله مسؤولية المزيد من التأزم في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؟

يرى المصدر المطلع على موقف الرئيس المكلف أن هذه الحملة من وسائل الضغط عليه. لكنه لن يخضع لهذا الضغط. وهو أبلغ بعض السفراء الذين أبدوا تخوفهم من تلاشي مقررات "سيدر" لإنقاذ الاقتصاد اللبناني إذا طالت الأزمة الحكومية، أنه هو من أتى بالحل الاقتصادي عبر "سيدر" والبرنامج الاستثماري والإصلاحي الذي أقر عند انعقاده.

وينتهي المصدر إلى القول إن قيام حكومة بشروط "حزب الله" يعني أن الحلول لن تنطلق ولن تنجح، لأنها ستكون حكومة موسومة بهيمنة الحزب على القرار اللبناني، وسيقال للحريري بأنه ليس محل ثقة لدى الدول الداعمة للبنان، لخضوعه لسياسة الحزب وإيران من ورائه، ما يعني حجب المساعدات.

&