& طلال صالح بنان

يوم الخميس الماضي صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار أمريكي يدين المقاومة الفلسطينية لإطلاقها الصواريخ على البلدات الإسرائيلية على الحدود! فشل مشروع هذا القرار، غير الملزم، مرتين. الأولى: عندما جرى التصويت على طريقة إقراره. بثلاثة أصوات فقط، مررت هذه المسألة الإجرائية، بإقرار صيغة أغلبية الثلثين. المرة الثانية: فشل مشروع القرار عند التصويت عليه، حيث حصل على 78 صوتاً، مقابل رفضه من قبل 57 دولة.. وامتنعت 33 دولة عن التصويت.

رغم كون القرار غير ملزم، حتى ولو تم إقراره.. ورغم رفضه، بطريقه مباشره أو غير مباشرة، من قبل أغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الأرقام أعلاه، لها دلالاتها السياسية والأخلاقية الخطيرة، وتعكس توجهاً غير تقليدي في سلوك ومواقف أعضاء الأمم المتحدة، كونها تحولاً غير تقليدي في نظام القيم، الذي يحكم سلوك أعضاء الأمم المتحدة.. وكذا حركة مؤسسات النظام الدولي، وفي مقدمتها الأمم المتحدة.

السؤال هنا: لماذا اختارت واشنطن منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة مجازفةً بسمعتها ونفوذها الدوليين، لتمرير مشروع قرار غير ملزمٍ، وأمامها خيارات أخرى. واشنطن، كان أمامها أن تلجأ لمجلس الأمن، لإصدار قرار أشد مَضَاءً، ملزماً لدول العالم. لم تلجأ واشنطن لمجلس الأمن لتعقيدات إجراءات التصويت فيه باحتمال رفضه من إحدى الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.. أو ألا يحصل على الأغلبية اللازمة، لتمريره. كما أن مشروع القرار، قد لا تكون له فرصة في المرور عبر مجلس الأمن، لما فيه من تجنٍّ واضح على قرارات سابقة من المجلس، جميعها مطالبة بها إسرائيل لتنفيذها.

ما هو مُلفت في سلوك الولايات المتحدة، هنا: لجوؤها إلى الجمعية العامة، رغم موقفها السلبي وغير الودي تجاهها، مجازفةً بخوضها معركة خاسرة، تعمق من الهوة التي بينها وبين أعضاء المنظمة الأممية. بدايةً: حاولت الدبلوماسية الأمريكية، تجربة ما هو متاح لها من مناورات في أروقة وكواليس الجمعية العامة، لتمرير مشروع القرار، من استخدام الجزرة إلى العصا، مروراً بذرف دموع التماسيح على الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون.

لكن الجائزة المتوقعة من تمرير مشروع مثل هذا، يسيل لها لعاب الدبلوماسية الأمريكية، لمجرد تصور الظفر بها. كما أن الأمر لا يخلو من دوافع شخصية بحتة. المندوبة الأمريكية (نيكي هيلي)، وهي في صدد التخلي عن منصبها، نهاية العام، تتوق أن تحقق نجاحاً فشل في تحقيقه من سبقوها، في هذا المنصب الدبلوماسي الرفيع، ربما يساعدها هذا في تحقيق طموحاتها المستقبلية، في الترشح للرئاسة.

وهي تجادل، دفاعاً عن مشروع القرار، قالت السيدة هيلي: إن الأمم المتحدة أصدرت أكثر من 500 قرار ضد إسرائيل، ولم يصدر أي قرار ضد الفلسطينيين! بينما هي تعرف تماماً، أن مشروع قرارها لو مُرِر سيَجُبُ الـ 500 قرار التي صدرت ضد إسرائيل.. وتكون البداية الحقيقية لدعم شرعية الاحتلال والعدوان، من منبر الجمعية العامة.. ويمحو، تماماً، تاريخ إسرائيل الأسود في الاحتلال.. والعدوان.. واغتصاب الأرض.. وقتل الأطفال.. والعنصرية البغيضة، والسادية العرقية المقيتة. السيدة هيلي كانت بتمرير القرار ستحدث انقلاباً نوعياً في القيم الإنسانية والأخلاقية، التي تتحكم في سلوك أعضاء الأمم المتحدة، لتقيم بدلاً منها قيماً لا إنسانية، تتحدى العدل.. والمساواة.. والسلام، واحترام حقوق الشعوب في الحرية.. والاستقلال.. والسيادة، وممارسة حق تقرير المصير.

لكن، في الوقت نفسه، على الفرحين بسقوط مشروع القرار الأمريكي، ألا يفرطوا كثيراً في ابتهاجهم بسقوطه. الأرقام تقول: إن أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة، بدأوا فعلياً التحول من مواقفهم التقليدية في دعم القضية الفلسطينية والمنَاوِئَة لإسرائيل. كذلك، دول كانت صديقةً للعرب دَلَ سلوكها التصويتي الأخير أنها لم تعد كذلك! الهند على سبيل المثال: امتنعت عن التصويت.. وهذا تغيير مُلفت في سياستها الخارجية، على العرب، إذا كان مازال يهمهم الأمر، ألا يهونوا من دلالاته السياسية والاستراتيجية الخطيرة.

لقد ذابت الفروق بين الإرهاب والعمل المشروع ضد الاحتلال والعدوان، من أجل الحرية وحق الشعوب، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير، الذي هو الأساس الذي قامت عليه الدولة القومية الحديثة (العضو الحصري في الأمم المتحدة).

مقاومة الاحتلال، ليست إرهاباً.