& &عبد الله المدني

&وضعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الصين ضمن قائمة الدول المستثناة من العقوبات الأمريكية غير المسبوقة ضد النظام الإرهابي الإيراني لكن لمدة ستة أشهر فقط، بدءا من نوفمبر المنصرم، كي تتمكن بكين من تسوية أمورها فيما يتعلق بصفقات نفطية سابقة. وعليه، فإنه خلال الأشهر الخمسة المقبلة ستتمكن بكين من الحصول على الخام الإيراني كما كان حالها خلال العقود الخمسة الماضية منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1971، كما أنها ستبقى تحت أنظار المراقبين المتشوقين لرؤية ما ستفعله القيادة الصينية بعد انقضاء المهلة المذكورة؛

بمعنى هل ستتوقف بكين عن التعاون مع طهران، وتضحي بمصالحها التجارية والنفطية مع الإيرانيين، متخذة موقفا مغايرا لموقفها ومواقف الدول الأوروبية فيما يتعلق بالإبقاء على الصفقة النووية، التي انسحبت منها واشنطن، أم أنها ستتمرد على العقوبات الأمريكية، معرضة مكانتها الدولية ومصالحها الواسعة مع الولايات المتحدة لخطر أعظم، خصوصا في هذا التوقيت الذي تحتاج فيه بكين إلى التهدئة مع واشنطن وليس إثارتها؛ حيث إن علاقات البلدين - كما هو معروف - تعيش أسوأ حالاتها بسبب الحرب التجارية، وموضوع تايوان، والإشكال الأمني في بحر الصين الجنوبي؟ طهران - بطبيعة الحال - تطمح إلى كسب ود بكين بشتى السبل، خصوصا أنّ موقف الأخيرة من الوجود الإيراني في سورية غير معارض،

إن لم نقل إنه مؤيد بدليل طريقة تصويتها في مجلس الأمن الدولي، واستخدامها "الفيتو" أكثر من مرة ضد القرارات الخاصة بإدانة حليف الإيرانيين "نظام الأسد"؛ أي على غرار ما فعلته موسكو. كما أن الإيرانيين بدأوا منذ الآن بمغازلة الصينيين عبر التشديد على أن تجارتهم وعلاقات بلادهم مع الصين علاقات حضارية قديمة متجذرة، تعود إلى أكثر من ألفي عام، بل راحوا يشددون أيضا على مسألة التوجه شرقا بدلا من التطلع نحو استمالة أوروبا والولايات المتحدة بتقديم تنازلات، مشيرين إلى أن في الشرق دولا صاعدة ومتحركة إلى الأمام نحو الرخاء والتنمية واحتلال مكان القوى الكبرى الإمبريالية. وهذا، تحديدا، ما أشار إليه مرشد ما يسمى "الثورة الإسلامية"، آية الله خامنئي، في آخر خطبه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وفي هذا السياق، نتوقف لنذكر ملالي طهران وقم بما قاله مرشد ثورتهم البائسة السابق "آية الله خميني" عشية سقوط نظام الشاه، حينما صرح بأن الصينيين إمبرياليون مثلهم مثل الأمريكيين والأوروبيين، وذلك امتعاضا من زيارة تاريخية كان قد قام بها زعيم الحزب الشيوعي الصيني "هوا جوفينج" إلى طهران في آب (أغسطس) 1978، ولقائه الشاه؛ أي قبل سقوط النظام الشاهنشاهي بأشهر معدودة، دعك من امتعاض الخميني في الوقت نفسه للاستقبال الحافل الذي كانت القيادة الصينية قد أعدته عام 1972 للإمبراطورة فرح ديبا ورئيس الحكومة الإيرانية الأسبق أمير عباس هويدا. إن من يعود إلى تاريخ العلاقات الصينية - الإيرانية في تلك الأيام يرى العجب العجاب؛ حيث دافعت بكين عن نفسها ضد الإشارات الخمينية بالقول إن زعيمها "هوا جوفينج" توقف فقط في طهران لتزويد طائرته من نوع بووينج 707 بالوقود وهو في طريقه لزيارة رومانيا ويوغوسلافيا، وذلك طبقا لما كتبه محمود باجوو الباحث في الجامعة الأسترالية الكاثوليكية بسيدني.

أما ما يكذب هذا التبرير فهو أن هوا جوفينج حل ضيفا على الشاه الذي احتفى به احتفاء بالغا، بل صرح الشاه آنذاك بأن الزعيم الصيني "يحل علينا ضيفا في وقت عصيب تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة"، مضيفا "يتملكني شعور بأن الصين وحدها هي من تؤيد وجود إيران قوية". ولعل من أعاجيب علاقات البلدين بعد سقوط الشاه، أن بكين ظلت تلعب على مدى أكثر من ثماني سنوات دورا مزدوجا خلال الحرب العراقية - الإيرانية؛ بمعنى أنها كانت تزود طرفي الحرب بأسلحة صينية المنشأ، خصوصا تزويد إيران التي كانت واقعة تحت ضغط العقوبات الأمريكية، وكانت في المقابل تحصل من الإيرانيين والعراقيين معا على النفط الخام لمواصلة نموها، وعلى العملات الصعبة لتغذية وارداتها من الغرب. ويقول المحلل محمود باجوو في هذا السياق، إنه في عام 1987 كان 70 في المائة من أسلحة الحرس الثوري والجيش الإيرانيين مصدرها بكين. ومن الأمور المتناقضة في علاقات الطرفين، أن نظام الخميني الذي وصل إلى السلطة بخطاب يعادي فيه الغرب والولايات المتحدة والرأسمالية، ويحملها مسؤولية تخلف الأقطار النامية وحلب خيراتها، هو النظام نفسه الذي رحب - من خلال علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس برلمانه آنذاك - بعملية الإصلاح والانفتاح على الغرب التي قادها الزعيم الصيني دينج هسياو بينج، وتحمس لها طمعا في كسب الأسواق والاستثمارات الصينية.