&إبراهيم الصياد&&

منذ ثمانية وثلاثين عاماً كنت أعمل خبيراً في تلفزيون سلطنة عمان وشهدت مولد مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أبوظبي في 25 أيار (مايو) 1981 حيث كنت أتابع الحدث الذي اعتُبر في ذلك الوقت طفرة في العلاقات «العربية – العربية» ونموذجاً كان العرب في حاجة إليه لبعث الحياة من جديد في الفكر العربي الوحدوي. وأكد قرار إنشاء مجلس التعاون أن مواجهة الأخطار المحيطة بعالمنا العربي ككل وليس منطقة الخليج العربي فقط لا تتم إلا عن طريق حشد الجهود وتوحيد الصف بالأفعال وليس بالأقوال، إذ كان «النضال الحنجوري» هو المسيطر على الأداء العربي في الثمانينات. وتمر السنون ومازال مجلس التعاون الخليجي يمثل نموذجاً يحتذى في العمل المشترك رغم التحديات التي واجهته وتواجهه. وفي القمة الخليجية التي عُقدت في الرياض أخيراً؛ اهتم مجلس التعاون على تأكيد الحرص على قوته، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبتها في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط بينها في الميادين كافة؛ بما يحقق تطلعات المواطن الخليجي. وهذا يعني أن مجلس التعاون الخليجي مازال يحافظ على ثباته ورؤيته الواضحة التي بدأت من أرضية مشتركة عام 1981. أرضية لا تعكس – آنذاك- أي تباينات في سياسات الدول الأعضاء، بعبارة أدق: كانت المصلحة واحدة والهدف واحداً. إن قراءة في البيان الختامي لقمة الرياض توضح حرص الزعماء الخليجيين على هذه المصلحة الواحدة التي أشرنا إليها حيث تحتل القضايا الإقليمية والدولية أهمية قصوى في سلم أولويات قادة الخليج وسنحاول في السطور القادمة تحليل الموقف الخليجي من بعض القضايا منها الحرب على الإرهاب، حيث أكدت مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف، نبذها لكافة أشكاله وصوره، ورفضه لدوافعه ومبرراته، وأياً كان مصدره، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، ونوه إلى أن التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب هي من أهم المبادئ والقيم التي تقوم عليها مجتمعات دول المجلس، وتعاملها مع الشعوب الأخرى ولفتتني الدعوة الى استمرار تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمنع عودة التنظيمات الإرهابية على اعتبار أنها رسالة مباشرة للأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لهذه التنظيمات والحريصة على عدم تحقيق الاستقرار في المنطقة ومن بينها ايران. رفضت القمة استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وأدانت الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران، وتغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، مؤكدة ضرورة الكف عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح المليشيات والتنظيمات الإرهابية، في انتهاك واضح للأعراف والقيم الدولية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي وهو ما كان جلياً في الأزمة اليمنية فقد اتفق قادة الخليج على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة، وفقاً للمرجعيات المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216، وعبروا عن دعمهم لجهود الحل والمشاورات المنعقدة حالياً في السويد.


واهتمت القمة الخليجية بقضية الشعب الفلسطيني التي توارت في السنوات الأخيرة نتيجة تعدد الأزمات والصراعات بالعالم العربي على اعتبار أنها قضية العرب والمسلمين الأولى، ما يتطلب استمرار دعم السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران (يونيو) 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية. وأدانت القمة التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تسبب في مقتل وإصابة المئات وتدمير الكثير من المنازل والمقار الرسمية، وطالبت مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته للوقف الفوري لكل أشكال العمل العسكري في القطاع، وإفساح المجال أمام جهود التهدئة وفي الوقت نفسه. تم التأكيد أن القدس هي العاصمة التاريخية لفلسطين وفقاً للقرارات الدولية، وأن أي إجراء تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي هو أمر باطل، ولا يؤدي إلا إلى إشعال التوتر في المنطقة، وإضعاف فرص التوصل إلى حل شامل ودائم كما رفض زعماء مجلس التعاون قرار الإدارة الأميركية بشأن نقل السفارة إلى القدس، ودعوا الى تنسيق العمل العربي تجاه هذا القرار وتبعاته.

في ما يتعلق بسبيل وقف الحرب في سورية لا يوجد سوى الحل السياسي القائم على مبادئ (جنيف 1)، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسورية، والتحضير للانتخابات لرسم مستقبل جديد لسورية يترجم تطلعات الشعب السوري ورفضت القمة أي محاولات لإحداث تغييرات ديمغرافية في سورية.

وينظر مجلس التعاون الخليجي للأزمة في ليبيا من الاتجاه نفسه؛ بمعنى دعم الجهود السياسية واعتبار اتفاق الصخيرات المُوقَّع بين الأطراف الليبية في كانون الأول (ديسمبر) 2015م هو إطار للخروج من الأزمة الليبية، مجدداً حرص دول المجلس على أمن واستقرار ووحدة الأراضي الليبية ومساندة الجهود المبذولة للتصدي لتنظيم داعش الإرهابي.

خلاصة القول إن قمة الرياض – رغم التحديات والمعوقات – أكدت مجدداً أن العمل الخليجي المشترك ليس إلا رافداً ناجحاً من روافد العمل العربي الذي نتطلع إليه على المستوى القومي.

&

&