&عبدالله بشارة&&

&خرجت كلمات سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر، خلال القمة الخليجية في الرياض من شعور عام لدى شعب الخليج بحجم الدمار الذي سببه الإعلام في صواريخه المستمرة، في قنابله التي يلقيها على مختلف العواصم في دول مجلس التعاون، وتوقفت عند محطتين من المحطات المهمة في خطاب سمو الأمير، الأولى قوله «إن العالم بدأ، وبكل أسف، بالنظر لنا على أننا كيان بدأ يعاني الاهتزاز، لأن مصالحه لم تعد تحظى بالضمانات التي كنا نوفرها له في وحدة مواقفنا وتماسك كياننا».


ثم ينتقل الأمير إلى المحطة المهمة التي يريد معالجتها وترميمها، وتمثلت في دعوته إلى «وقف الحملات الإعلامية التي بلغت حدوداً مسّت قيمنا ومبادئنا وزرعت بذور الفتنة والشقاق في صفوف أبنائنا، وستدمّر كل بناء أقمناه وكل صرح شيدناه».
كان سمو الأمير مدركاً لكل المعاني التي تحملها كلماته، والنابعة من شعور فيه الضيق والأسى والألم من زعيم بارز مقتنع بالمسيرة التي احتضنها منذ البداية ورعاها تكبر وحرص على حمايتها وبشّر أهل الخليج بحصادها، وشرحها للعالم كله.
كنت في معية سمو الأمير في أبريل 1981 في رحلة تعريفية إلى موسكو لينقل إلى الزعامة السوفيتية مواصفات المولود الجديد الذي سيخرج إلى هذا الكون على تراب أبوظبي في مايو 1981.
اجتمع سمو الأمير مع أندريه غروميكو ومساعديه، وكنت حاضراً الاجتماع، مستمعاً إلى سمو الأمير يبلغ غروميكو ــــ الوزير التاريخي في سجلات السوفيت ــــ بأن ملامح مجلس التعاون متشبّعة بالخير وحسن النوايا، وأن المولود سيكون مساهماً ايجابياً للأمن والاستقرار في العالم، ملتزماً بمبادئ الأمم المتحدة وصديقاً لكل الأطراف، شرقاً وغرباً، ويدعو موسكو إلى دعم هذا الكيان القادم، ويأتي الجواب من السياسي المجرب بأن موسكو تثق بالكويت وتدعم دبلوماسيتها، وتأمل في أن تعتمد دبلوماسية المجلس الجديد هذه الصفات التي تقدرها موسكو في دبلوماسية الكويت.
ارتاح سمو الامير ونحن معه في هذا الاجتماع، فقد عبر المجلس القادم عقبة محتملة تضر صورته وتشوه مبادئه لكن سمو الأمير كان على يقين بأن وضع المجلس الجديد أمام الأسرة العالمية وانطلاقه في مسيرته بشكل مؤثر وبدعم عالمي جماعي، كل ذلك يستوجب التفاهم مع القطبين القابضين على قواعد الامن والاستقرار في هذا الكون.


ومن المفيد الإشارة إلى أن أول مهمة أوكلت إليّ كأمين عام للمجلس تسجيل قيامه في الجامعة العربية والأمم المتحدة لكيان بهوية بناءة، مناصراً للمظلومين ومنتصراً للفقراء ورسولاً للتآلف الإنساني ومساهماً في التنمية والحوار ومعمّقاً الترابط الكوني، ونفّذت المهمة بسرعة، أرادها القادة أن تصل إلى مسمع كل مجتمع.
هذا جوهر كلمات سمو الأمير حول اهتزاز ثقة العالم في مجلسنا وبنا كشعب بمسؤولية عن أبرز موقع في استراتيجية الأمن والسلام كمالك للطاقة أساس الازدهار والاستقرار في هذا العالم.
ويتحدث سمو الأمير عن بذور الفتنة التي تحملها معارك القصف الإعلامي المتبادل، والذي لم يكتف بنقد السياسات، وإنما دخل مناطق التشهير البذيء وتعامل بافتراء على شخصيات خليجية بارزة بحملات تورث العداء الدائم وتغرس الحساسيات بين الشعوب، وخرجت عن المألوف من عادات وتقاليد الخليج وأحرقت شبكة الآداب الحميدة التي نلتزمها.
وهنا، لا بد أن أشير إلى أن الجميع تضرر والجميع خاسر، فلا يمكن الادعاء بالبراءة، فليس فينا من هو ملاك، وأخطر ما في هذا المجال هو الاستنجاد بفرق المرتزقة العالمية التي تسعى لإدامة الصراع في داخل البيت الخليجي؛ لأنها وجدت مرتع المال والبهجة من خلال مساهمتها النارية في قنوات المجلس، تثير وتستفز وتبالغ وتستعدي.
ومما يزيد الأحزان أن الكثير من قنابل الإعلام تصدر من مواقف مسؤولين، يتحملون مسؤوليات ولهم صوت في الشأن الخليجي.


وبدلا من توظيف قنوات الإعلام لمصلحة عقلانية التهدئة، نتابع صواريخهم في هدم بنية العلاقات وتحطيم خطوات المستقبل.
كان أملي كمواطن حمل الهمّ الخليجي أن تخرج من قمة الرياض كلمات نحو التهدئة الإعلامية، فقد تسلل القرف إلى المزاج الشعبي الخليجي من حالة الإعلام وتبادلية الاتهامات والانتقادات، خاصة أنه يشاهد فرق مرتزقة الإعلام Media Mercenaries، وهي تتمدّد في شبكات الإعلام الخليجي وفي قنواته ولها في قنوات الخليج أركان وزوايا تبث منها ما يزعج، وما يشعل النار بين أبناء البيت الواحد.
أزمة الخليج تستوجب إدارة العقل وكبح مشاعر العداء وتطويق المؤذي، والنظر إلى المستقبل بالروح البناءة التي تسعى الى ضم الفرقاء المتباعدين.
ولا أرى في هذا المشهد الكئيب سوى ما يشع بالأمل الذي قد يأتي من عزم سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر، الذي لا أعتقد أنه سيهدأ ولن تنخفض مساعيه، وأتصور أنه لن يسمح لليأس أن يجد مكاناً في حجم ذلك العزم، ومهما توجهنا بحثاً عن حلول، فلا غنى عن مداخلات الأمير المجرّب الذي أعطى لهذا المجلس رعاية دائمة منذ ولادته، ويظل الأمير صامداً وعازماً مهما اشتدت مفردات الخصومة ومهما تعقدت المسارات، وسنظل على تلك البارقة المنتظرة، التي لن تغيب عن أولويات سمو الأمير.