&هادي اليامي&&&

&ما يثار عن الإسلام من سلبيات كنتيجة للجهل بحقيقته، يكشف عن تقصير بعض المسلمين في سلوكهم

ظلت الوحدة الإسلامية حلما سعى كثير من المفكرين والعلماء والحالمين إلى تحقيقه على مر تاريخ الأمة. وحفلت آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية المطهرة بالحث على ذلك. كما تعجّ كتب التراث والفقه الإسلامي بتبيان أهمية تحقيق ذلك الهدف السامي، بوصفه قيمة سامية، وفي الوقت نفسه حذرت من كل ما يؤدي إلى الفرقة والشتات.&


وللأسف، فإن ذلك الحلم لم يجد طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع، وظل في دائرة الأحلام والأماني، لأسباب كثيرة ومتشعبة، رغم أن تجارب كثير من الأمم والدول لم تخل من السعي الحثيث وراء ذلك المقصد، واجتهد كثير من المصلحين والصادقين، وسعوا بشتى الطرق إلى بلوغ الأسباب المؤدية إليه.
الناظر إلى تاريخ الدولة السعودية، يجد أنها قامت منذ تأسيسها على قواعد واضحة وأسس متينة، وحرصت على الابتعاد عن كل أشكال التصنيفات والتسميات.&
فالكل سواء، يتمتعون بكل الحقوق ويتساوون في الواجبات، ما داموا ملتزمين بأحكام القانون والأنظمة المرعية.&
ولم تقف اجتهادات المملكة عند مجرد تحصين نفسها من عوامل الفرقة والشتات، بل سعت مرارا وتكرارا إلى تخفيف حدة الخلافات المذهبية بين المسلمين، ونظمت في سبيل ذلك كثيرا من المؤتمرات العالمية التي استضافت فيها ممثلين عن كل الجماعات والمذاهب والطوائف الإسلامية، وآخر جهودها في ذلك رعاية خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله وسدده- المؤتمر الإسلامي العالمي للوحدة الإسلامية، تحت عنوان «مخاطر التصنيف والإقصاء» الذي عقد في مكة المكرمة خلال الأسبوع الماضي، وحضره ما يفوق ألفا من علماء الأمة ومفكريها من 127 دولة، تداولوا ليومين واقع الأمة وأسباب الخلافات المذهبية التي استشرت في الآونة الأخيرة، وكيفية تجاوز تلك المحنة، والتصدي لمحاولات إضعاف الأمة، عبر إغراقها في لجة خلافات هامشية، لا تسمن ولا تغني من جوع.&
وقد شرفتُ بدعوة معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي، لحضور هذا التجمع الإسلامي الكبير.
الحدث كان كبيرا ورائعا، وأكبر من أن تصفه الكلمات، أو تعبِّر عنه الأحرف. فالمشاركون تم انتقاؤهم بعناية تامة، وأتيحت لهم الفرصة الكافية للتعبير عن رؤاهم ووجهات نظرهم، والحوار كان شفافا وصادقا، ومعبرا عن أشواق عقلاء الأمة في نزع فتيل الخلافات، والاستمساك بالمشتركات الكثيرة التي يمكنها أن تكون أرضية صلبة يقف عليها الجميع.&
وأول ما توافق عليه المؤتمرون، أن الإسلام -ذلك الدين العظيم الخاتم للأديان، والذي تفرد بصلاحيته لكل زمان ومكان- أكبر من أن يستوعبه وعاء واحد، وأعظم وأجل من أن تحيط به جماعة بعينها، فقد امتاز عن غيره من بقية الأديان بالمرونة العالية، والقدرة الفائقة على التكيف، لذلك يبقى هو الدين الوحيد القابل للتطبيق في كل المجتمعات.&


كما اتفق المؤتمرون على حتمية التمسك بالثوابت التي لا خلاف عليها، والتي تمثل العمود الفقري لهذا الدين، أما التفاصيل القابلة للاجتهاد والتأويل فهي متحركة وليست جامدة.&
فالإسلام لم يأت ليضيق على الناس حياتهم، أو ليوردهم موارد العنت والمشقة، بل أتى رحمة لهم، وتوسعة عليهم، مصداقا لقوله تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».&
لذلك، فإن الفتوى التي هي توقيع عن الله سبحانه وتعالى، اتفق علماؤنا الأفاضل على أنها تختلف باختلاف الزمان والمكان.
كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، بمثابة خارطة طريق، وخلاصة لفهم عميق ورؤية ثاقبة، عندما دعا علماء الأمة إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة، واستيعاب سُنّة الاختلاف، وترشيد ثقافة الخلاف، والاتفاق على خطاب واحد تتوجه به الأمة إلى العالم، للقضاء على مخاطر التصنيف والإقصاء.&


كما طالبهم بالاضطلاع بمهمة التصدي لحالة الفرقة والشتات في الأمة، والقيام بواجبهم الشرعي في رأب الصدع المهدد لأمتهم، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، والاتفاق على خطاب واحد، مجددا الأمل فيهم لتحقيق وحدة المسلمين التي ستصب في خير الإنسانية جمعاء.&
كما كانت كلمات معالي أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد عبدالكريم العيسى، واضحة في تأكيد أن اللقاء يهدف بالأساس إلى تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة، وإثراء الحوار والتقارب والخُطط العملية لتحقيق التطلعات، مشددا على ضرورة أن يكون الأخ قريبا من أخيه، حَسَنَ الظن به، يبادره بقبول عذره وتفهُّم سنّة الله في الاختلاف والتعدد، مع تبيان ما يراه حقا وصوابا بالحكمة والموعظة الحسنة، دون استعداء ولا استعلاء ولا تشهير، فضلا عن مجازفات التكفير ونحوه.
وختمت مداولات المؤتمر الاستثنائي ببيان ختامي شامل، لم يترك شاردة أو واردة إلا وتطرق إليها، رسم بدقة متناهية كيفية الخروج من عنق الزجاجة، والانطلاق في عالم التعايش والتسامح الفسيح، والرضاء بالتعدد والتنوع الإيجابي، باعتباره ثراءً معرفيا، يُضاف إلى رصيد الأمة الإسلامية ثقافيا وحضاريا، وأن ذلك التنوع المذهبي والثقافي يقتضي إقامة شراكة عادلة ضمن عقد اجتماعي يتوافق عليه الجميع، يرفض دعوات الاستعلاء، ويستثمر تعدد الرؤى وتباين النظر في إثراء الحياة المدنية والحضارية، وحفظ مقدرات الأمة، وتحقيق تنمية وطنية شاملة تُسعد الجميع.&
وأشار البيان الختامي -كذلك- إلى نقطة في غاية الأهمية، هي أن ما يثار عن الإسلام من سلبيات كنتيجة للجهل بحقيقته، يكشف عن تقصير بعض المسلمين في سلوكهم المُعَمَّم بالحكم الخاطئ على دينهم، فحملات التشويه ضده يتحمّل بعض المسلمين نصيبا من وِزْرها.&
كما حذر من ألاعيب جماعات الإسلام السياسي، التي لم تفعل شيئا سوى شق الصف الواحد، وتصوير أن الأمة قد ارتدت على أدبارها، وباتت تعيش جاهلية جديدة، كل ذلك بهدف تشكيك الأمة في إيمانها وإسلامها، يحملها إلى ذلك اللهاث على الأخذ بزمام الأمور، واحتكار الدين على مواصفات عنفها المُبَيَّت والمكشوف.
وهكذا تؤكد الرابطة من جديد أنها جديرة بحمل الرسالة التي على عاتقها، والقيام بواجبها المرجو، كمنارة تقدم الإسلام الصحيح، وتحرص على تعريف العالم به، وقبل كل ذلك تدفع المسلمين إلى الالتفاف حول إرثهم المشترك.

&