الأعوام الخمسة «الإضافية» التي حصل عليها مجلس النواب اللبناني بعدما مدّد لنفسه مرتين منذ انتهاء عهده عام 2009، كانت حافزاً لانطلاق مجتمع مدني يحمل وعياً سياسياً مختلفاً، ويدعو إلى تأسيس دولة مدنية وعلمانية قائمة على العدالة والحرية واحترام حقوق المواطنة. ظل هذا المجتمع المدني على هامش الحياة السياسية، يُناضل في الشارع وعبر البيانات ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن ارتأى خوض الانتخابات النيابية المزمع حصولها في أيار (مايو) المقبل. وتنادت الجمعيات المدنية إلى تجمُّع شامل يحمل اسم «وطني» بغية التعاون والتنسيق في إدارة الحملات الانتخابية. وكان واضحاً الحضور النسائي في هذه الجمعيات التي كانت منطلقاً لنضال نسائي حقيقي ما زال قائماً. ولم يكن مفاجئاً أن تنخرط شخصيات نسائية معروفة في خوض الانتخابات.

الإعلامية بولا يعقوبيان والشاعرة والصحافية جمانة حداد تخوضان الانتخابات النيابية مدنياً، فهما من المناضلات في حركات المجتمع المدني، سواء على الأرض أو في الإعلام مرئياً ومكتوباً. جمعتهما الصدفة في دائرة واحدة هي دائرة بيروت الأولى وفي لائحة واحدة: بولا عن مقعد الأرمن الأرثوذكس، وجمانة عن مقعد الأقليات. إنها المرة الأولى التي تخوض إعلامية وشاعرة الانتخابات، ومن خارج التقليد اللبناني الذي طالما حصر اللعبة الانتخابية في الميدان السياسي والحزبي والعائلي والمناطقي والعشائري... وهما تخوضانها علمانياً ومدنياً واجتماعياً، وإن أذعنتا بالضرورة لنظام الترشُّح اللبناني الذي يفرض على المرشّح التزام الخانة الطائفية والمذهبية التي ينتمي إليها رسمياً.

ترفع بولا يعقوبيان شعار «المعارضة»، ولم يكن ترشُّحها من خلال «حزب سبعة» المدني إلا إصراراً على انتمائها المواطني والعلماني، وتشير إلى أنها لم تختر أي حزب سياسي للترشُّح، هي التي أطلّت سنوات عبر تلفزيون «المستقبل»، وتملك علاقات ممتازة في المعترك السياسي باختلاف تياراته. وفي رأيها أن الإعلاميين والصحافيين مؤهلون أكثر من سواهم لخوض الحياة البرلمانية، أكثر من الأطباء والمهندسين مثلاً، فهم في قلب «المصنع» السياسي وينتمون إليه. لا تميل بولا إلى فكرة الشخص الواحد الذي يختصر الجماعة، بل تفضّل الشخص الذي يحمل مشروعاً سياسياً وإصلاحياً وعلمانياً. وترى أن الصوت المدني الحر يجب أن يدخل الحلقة البرلمانية، فهو يمثل الأفراد والجماعات التي تعمل الدولة على تهميشهم، وقوة التغيير تأتي من خارج السلطة ورموزها.

جمانة حداد الشاعرة المعارضة والمحتجّة عبر مقالاتها في جريدة «النهار» ومواقفها، رفعت شعاراً شاملاً ومختصراً لحملتها الانتخابية: «من أجل دولة مدنية، إنسانوية، تنموية وعادلة». وترى أن لا بد من ضخ دم جديد في «مجلس الشعب» وإحداث صدمة إيجابية، إذ بات ملحاً إحداث تغيير في مفهوم الترشُّح وتوسيع رقعة التمثيل العلماني والمدني. وعلى الدولة، في نظرها، أن توفّر أموراً ضرورية: الحماية الاجتماعية للمواطن، وصون الحرية، وحقوق المواطن على اختلافها، والعدالة، والتعدد والاختلاف، واحترام البيئة، ونبذ الطائفية والتعصب.

اللافت أن الإعلامية والشاعرة تملكان آمالاً كبيرة بقدرات المجتمع المدني الذي بات موجوداً بقوة، والذي يمثّل وصوله إلى البرلمان ثورة سلمية داخل البرلمان التقليدي.