إقبال الأحمد

استشعر وزير داخلية إحدى دول الخليج الواعية خطرًا يهدد النسيج الاجتماعي في بلاده، وحذر من تبعات سلبية لبعض الممارسات على الأمن والسلم الاجتماعيين في بلاده.
وأوضح الوزير في رسالة وجهها لأحد المحافظين في بلاده أنه لاحظ تنامي ظاهرة التجمعات والملتقيات بين أبناء القبيلة الواحدة من مختلف الولايات، التي يشارك فيها في بعض الأحيان أشخاص من الخارج ينتمون لذات القبيلة.

وأشار الوزير إلى أنه لما لهذه اللقاءات من دور في تكريس القبلية على حساب دولة المؤسسات والقانون، وما قد يترتب على ذلك من إثارة للتنافس القبلي وظهور خصومات وتنافر بين أفراد المجتمع واستغلال ذلك لتحقيق أهداف وغايات ذات بعد قبلي، لا سيما في الانتخابات، فمن الضرورة والأهمية مشاركة الجميع، من الشيوخ والمجالس البلدية، في تبصير جماعاتهم بالتوقف والابتعاد عن مثل هذه التجمعات والملتقيات على مستوى القبيلة تحديدًا، أو كل ما من شأنه ترسيخ الولاء للقبيلة على حساب الوطن.
بالضبط هذا ما حصل ويحصل عندنا بالكويت حين تغلبت الانتماءات القبلية وطغت أحيانا على الانتماء للوطن، وتكرس كل ذلك على حساب دولة المؤسسات، فأصابنا طاعون الواسطات ووضع الرجل غير المناسب في مكان المسؤولية، وانتشر الفساد بكل أنواعه، حتى نخر معظم أجهزتنا بسبب «هذا ولدنا وهذا ابن قبيلتنا وعايلتنا»، أما مصلحة الوطن فهي لدى البعض آخر الاهتمامات والأولويات.
في ظل هذا التأصيل للأمراض الاجتماعية بجميع أشكالها التي سببت تبخر الوطنية وعدم الالتزام بمبادئ دولة المؤسسات والقانون، هل خرجت من الدولة أي مبادرات لدراسة هذه الظاهرة وأسبابها وسبل علاجها؟!
العكس صحيح، فهناك تشجيع من بعض المسؤولين، وحتى بعض الشيوخ، لتعزيز هذا الجانب، ربما دون وعي منهم لعواقبه أو لما قد يصيب الوطن من وهن وضعف.
لم تبادر معظم الجهات، ليس لعدم قدرة المسؤولين على ذلك، ولكن لأن العلاج ليس في مصلحتهم على ما يبدو، فدوام هذا الحال واستمراره ربما يخدمهم بشكل أو بآخر.
الحرس الوطني من أفضل المؤسسات العسكرية، والمدنية أيضا، في إدراكه لأبعاد هذا الخطر وأقدرها على التعامل مع هذا الموضوع بشكل جاد وفعلي، فقد بدأت تلك المؤسسة العسكرية المتميزة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، سياسة حكيمة، حين منعت كتابة اسم القبيلة لمنتسبيها. وقد سألت أكثر من مرة، فكان الجواب أن ذلك يخدم الوطن ودولة المؤسسات.
لماذا لا تعمم هذه السياسة على كل أجهزة الدولة كعلاج أولي، فلكل شخص اسم عائلة يكتبه ويكتفي به.
قبل الغزو لم نكن نقرأ اسم القبائل آخر الأسماء، لأن الانتماء الوطني كان قويًا بسبب قوة دولة المؤسسات، أما حين ضعف هذا الشعور، فتبدل الحال وأصبح اللجوء للقبيلة أو المذهب هو الضمان الأقوى للحصول على الحقوق، فاختصر الموضوع اليوم بثلاثة أسماء، الشخص ووالده وقبيلته.
ولم تحرك الدولة ساكنًا بل شجعت ذلك، حتى أكلتها الانتماءات القبلية وهي نائمة بالعسل، وبدأ الوطن يموت في داخل الكثيرين، بينما تضخّم الانتماء القبلي والمذهبي عندهم.
اصحي يا دولة واصحوا يا مسؤولين.. لعلنا نلحق على ما تبقى من انتماء لهذا الوطن داخلنا.
***
لا اعرف اذا كان مصادفة.. مكان وموعد عقد المؤتمر الدولي لاعادة اعمار العراق.. في الكويت، وخلال احتفالاتنا باعياد الاستقلال والتحرير من الغزو العراقي الغاشم والبغيض على الكويت قبل سنوات.. حين هبطت الكويت ماديا ومعنويا انذاك.. وفي اللحظة التي بدأ فيها العراق بالدخول الى نفق اسود معتم.. تظل الكويت ارض الاحتواء للجميع.. الصديق ومن ظلمها ايضا.