أحمد الجميعة

تحولت سورية إلى صراع دولي متعدد الجبهات، والمبررات، والمصالح، ولم يعد هناك خارطة طريق يمكن أن تؤدي إلى حل توافقي بين أطراف النزاع، حيث بات كل طرف فاقد الثقة في الآخر، وعبئاً عليه بعد كل تلك السنوات من التحالفات والحروب والاستنزاف.

أميركا غيّرت موازين القوى في سورية؛ فلم يعد الحل روسياً بامتياز كما يظن سيد الكرملين، ولم يعد لإيران قيمة، ولا تركيا دور، وحتماً لن يكون للأسد أي قرار، وبالتالي أصبح المشهد مرتبكاً لحجز موقع التأثير على الأرض، وهنا حاولت إيران استدراج إسرائيل للصراع، وتفعل تركيا ما بوسعها لمنع التمدد الكردي على شريط حدودها، بينما الروس مصدومون من الموقف الأميركي الذي لا يزال يرى في «داعش» مبرراً لوجوده.

لقد خطب أردوغان خطبة مودع في سورية حينما طالب الولايات المتحدة الأميركية أن تكف عن «مسرحية داعش» و»تكشف الأقنعة» قبل أن تجرب «القبضة العثمانية»، وهو تهديد لم يكن كافياً قبل أن يجيبه وزير الخارجية الأميركي من الكويت: «أميركا مصممة على مواجهة داعش»، ثم وضع نقطة على آخر السطر، وكتب في أوله: «التنظيم لا يزال يشكّل تهديداً وسندعم التحالف الدولي لمواجهته بمبلغ 200 مليون دولار»، وهذا يعني أن أميركا باقية في سورية، ولن تخرج قبل أن يتحقق مشروع التقسيم الذي وعدت به الأكراد بإقامة دولتهم؛ ليس حباً فيهم، أو تضامناً معهم، ولكن تريد أن تحافظ على مصالحها في الشرق الأوسط بعد أن تمدد الروس في قواعد سورية، وفعلت مثلها إيران في محيط دمشق، وتحاول أنقرة أن تتمدد في عفرين.

اليوم من صنع «داعش» يدفع الثمن أمام أميركا التي جعلت منه مبرراً لبقائها في سوريه اليوم، حيث لم تكن هزيمة التنظيم في العراق وأجزاء كبيرة من سورية كافياً لرحيل واشنطن وحلفائها، بل أصبح «داعش» على الورق أو على الأرض مشروع ارتداد على كل من أوجده، وأولهم إيران.

الأميركان لا يمزحون أو يتسلون في سورية، وبينهم وبين الروس حرب استنزاف تبدو طويلة، ولن تنتهي من وجهة النظر الأميركية إلاّ بتحييد حلفاء بوتين عن حلبة الصراع، والبداية مع أردوغان الذي وجد نفسه أمام خارطة كردية على حدوده، يليها إيران التي ستكون هزيمتها في عقر دارها، وبثورة شعبها الذي سيسقط الملالي عاجلاً غير آجل.

روسيا هي الأخرى لم تفلح دبلوماسيتها في سورية، وتواصل العمل العسكري لمساعدة حلفائها على أخذ مواقعهم، ولكنها اصطدمت بالموقف الإسرائيلي الذي دعاها إلى ضبط النفس، وتحجيم إيران عن المواجهة المباشرة معها في سورية، حيث تبقى إسرائيل من وجهة نظر الروس وسيطاً مهماً مع الأميركان عند أي تسويات للحل.

المرجح أن يمضي المشروع الأميركي في سورية إلى حيث يريد، وتبقى روسيا في قواعدها، وما عداهما سيخرج إلى حيث أتى، ولكن بعد أن خسر كل أوراقه وطموحاته.