نبيل عبد الفتاح

 صحافتنا الورقية فى خطر؟ هل هناك مستقبل للكلمة المكتوبة ورقيًا؟ لماذا العزوف عن مشاهدة البرامج الحوارية الأحرى السجالية ذات البُعد الواحد- المتلفزة؟ جميع المؤشرات تشير إلى تراجع مستويات شراء وقراءة الصحف الورقية «القومية» الحكومية بامتياز- والمستقلة معًا، ويرجح استمرارية هذا التراجع على نحو يؤشر بفقدان تأثيرها ونفوذها على القارئ، أو توجيه بعض الاتجاهات الأساسية فى مكونات الرأى العام المصري، ناهيك عن فقدان نفوذها العربي، الذى ارتبط تاريخيًا بمركزية المكانة والحضور المصرى فى الإقليم العربي، سواء فى المرحلة شبه الليبرالية، وحتى عقب حرب أكتوبر 1973، من ثم يثار سؤال وهل ستستمر النخبة المصرية الحاكمة فى دعم الاختلالات الهيكلية المالية فى المؤسسات الصحفية القومية، وخسائرها المتفاقمة والمتزايدة، وسداد العجز المتنامى فى ميزانياتها السنوية؟ هذا السؤال بات ملحًا فى ظل تنامى العجز وتمدد الخسائر وغياب بشائر لإمكان إصلاح هياكلها المالية، فى ظل أوضاع السوق الصحفية وحالة الاقتصاد المصرى الراهنة واحتمالاتها فى الأجل المنظور؟ إن نظرة على أسباب تراجع وزن وتأثير الصحافة القومية، تشير فى بعضها إلى ما يلي:

ــ ضعف مستويات المهنية فى تكوين وأداء كثير من الصحفيين، وهو ما يظهر فى عديد المعالجات والكتابات الخبرية، والحوارية، والتحقيقات، بل وفى رسوم الكاريكاتير التى تراجعت مستويات الفكرة، والروح الساخرة، وجماليات الخطوط الضاجة بالضحكات فى حالاتها المتعددة والمركبة رغم بساطتها.

ــ ضحالة التكوين من حيث المعرفة النظرية والتطبيقية للصحافة، وتطور نظرياتها وتجاربها العالمية والإقليمية والمحلية، لاسيما فى ظل الثورة الرقمية السريعة فى أطوارها، لاسيما التحقيقات الاستقصائية ... إلخ! ناهيك عن ضعف مصادر التكوين الثقافى العام للصحفي، ومتابعة الكتابات الجديدة، والفنون المختلفة والبصرية، التى تشكل الحساسية، وتؤسس للرؤى الجديدة، وتفتح العيون والبصائر نحو تحولات الفكر والواقع الموضوعى فى أبعاده الكونية والمحلية والإقليمية. هذا الغياب لدى كثيرين، يشير إلى النظرة المحلية الضيقة فى نظرة الصحفى الكليلة، إلى ما يجرى حوله، وتتجسد المحلية فى عديد الأخطاء والمعالجات للقضايا الإقليمية والدولية وتشابكاتها فى «عالم متصدع»، وفى بروز ظواهر حول عالم مختلف لا نعرفه، وواقع موضوعى كونى متغير، يحتاج إلى لغة جديدة ومقاربات صحفية يقظة تحمل كتابة مختلفة ومصطلحات جديدة.

ــ إن أخطاء التكوين تشمل النظام اللغوى ونحوه وصرفه وإملاءه، بل وفى معرفة الكلمات ودلالاتها ومن ثم استيعاب خطاب المصدر الصحفي، والميل إلى استبعاده، وكتابه ما فهمه الصحفى على أنه يمثل رأى المصدر!!؟، وكلها اختلالات تكوينية تشير إلى غياب فى معايير اختيار الصحفى أساسًا، وإلى ضعف فى مستويات التعليم الجامعي، وعدم التخصص، ناهيك عن غياب أو خلل فى سياسة التدريب وإعادة التأهيل على نحو مستمر، سواء على المستوى المؤسسى أو النقابي.

ــ عزوف القراء الشباب عن الورقى ولجؤهم إلى الرقمى بما فيها متابعة الصحف الورقية رقميًا، كجزء من تغير عادات القراءة لديهم، وهو ما يؤثر سلبيا على شرائها. لا شك أن ذلك أثر سلبيا على تراجع معدلات نشر الشركات والأفراد لإعلاناتهم عن أنشطتهم التجارية والاستثمارية وخدماتهم، ولجوئهم إلى الإعلانات الرقمية، أو فى بعض القنوات الفضائية الخاصة.

ــ تضخم العمالة الصحفية والإدارية والخدمية فى الصحف القومية، وضعف مستوياتها والاستثناءات محاصرة داخل الكثرة الكاثرة من غير المتخصصين على نحو شكل عبئًا كبيرًا على ميزانيات هذه المؤسسات القومية الخاسرة أساسًا قبل وبعد 25 يناير 2011.

ــ بعض صور الفساد فى بعض هذه المؤسسات على نحو ما كشفت عنه بعض تحقيقات السلطات المختصة عقب الانتفاضة الجماهيرية الكبرى منذ سبع سنوات مضت، وهو ما ترك أثرًا سلبيًا على أداء هذه المؤسسات وإداراتها.

ــ تزايد الديون المالية للحكومة والمصارف الوطنية على المؤسسات الصحفية، وعدم تصفية هذه الديون فى إطار خطة قومية لإعادة هيكلة هذه المؤسسات على جميع المستويات، أو اللجوء إلى خصخصة بعضها، وتطوير بعضها الآخر ليواكب التغيرات الجديدة فى الأسواق الصحفية المحلية والإقليمية والدولية فى ظل الثورة الرقمية الهائلة، والصحافة الاستقصائية، ودراسة أسباب إغلاق صحف عربية بارزة كالسفير وغيرها، فضلاً عن إعادة النظر فى سياسة بعض الصحف العربية البارزة الأخرى، لمواكبة التراجع فى الإقبال على الصحف الورقية، والإعلانات ودعم بعض الحكومات النفطية لها، ومعها إعلانات الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية المتعددة الجنسيات فى المنطقة، لاسيما فى إقليم النفط العربي.

ــ أدى الفقر المهنى وتدنى مستويات الأداء فى الإعلام التلفازى وقنواته الوطنية والفضائية الخاصة إلى لجوء جماعات المشاهدين إلى القنوات الفضائية الدولية من مثيل الـ بى.بى. سي، وفرنسا 24، والعودة إلى مشاهدة قنوات معارضة معادية، وغير مهنية أخرى، تطرح وجهات نظر وأكاذيب وحقائق ووقائع نسبية مغايرة لما يُطرح فى شاشاتنا المجروحة!

مخاطر هذا التدهور المهنى والاحترافى فى الإعلام المرئى والصحافة القومية، هو لجوء قطاعات من الرأى العام لاسيما شباب القراء إلى مصادر أخرى رقمية ومرئية، تزيد الفجوات بينهم وبين الأجيال الأكبر سنًا، وأيضًا مع النخبة السياسية الحاكمة، والمعارضة الهشة والضعيفة جدًا، فى ظل غياب المجال العام المفتوح الذى يظهر الرؤى والأفكار والأفعال أيًا كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية! الحاجة ملحة وضرورية لإعادة النظر وتجديد الصحف والمؤسسات القومية، وإلا فالخطر قادم!.