«يمكن وصف الوضع فى سوريا بأنه أكبر كارثة إنسانية فى العالم»، بهذه الكلمات المحذرة بدأ بانوس مومسيس منسق الأمم المتحدة الإقليمى للشئون الإنسانية المعنى بالأزمة السورية حواره مع الأهرام.

وأوضح مومسيس أن السكان يتعرضون لمخاطر كبيرة ومن الصعب حماية المدنيين الذين لقى منهم مئات الآلاف حتفهم أو أصيبوا بجروح، ولجأ مالا يقل عن 5.2 مليون شخص إلى الدول المجاورة، كما نزح 6.1 مليون داخل سوريا، ولايزال 13.1 مليون بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، من بينهم 5.6 مليون يواجهون احتياجات حادة. وبسبب هذا الوضع الإنسانى الصعب يلجأ ملايين السوريين إلى آليات التكيف الضارة (عمالة الأطفال والزواج المبكر وزيادة المشاركة فى الأنشطة شديدة الخطورة كمصدر لكسب سبل العيش) ،ونتيجة لذلك فإنهم يتعرضون بصورة متزايدة لمخاطر الحماية.

ومومسيس الذى ينتمى لأفراد الجالية اليونانية بالقاهرة ويتحدث العربية بطلاقة وبلهجة مصرية، غادر القاهرة منذ أربعين عاما بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية للالتحاق بالجامعة ولكنه كما يقول أن قلبه متعلق بمصر وسعيد بعودته لأم الدنيا حيث يوجد أصدقاء وذكريات الطفولة، ودائما ما يشعر فى مصر بأنه فى بيته ، خاصة أن هناك تقاليد مشتركة بين الشعب اليونانى والشعب المصرى .

وفيما يلى نص الحوار:

ما هو الدور الذى ترى أن مصر تستطيع القيام به لتحسين الوضع الإنسانى فى سوريا؟

مصر لها دور مهم وصوت مسموع لما يربط بين مصر وسوريا من علاقات تاريخية وروابط وثيقة ولذلك فكلى أمل أن تساهم مصر فيما نطلق عليه الدبلوماسية الإنسانية لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها. وكان لمصر أيضا دور مهم جدا فى مجلس الأمن حيث تم تجديد القرار المتعلق بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين فى سوريا عبر الحدود لمدة عام، واعتماد مجلس الأمن الدولى للقرار 2393الذى صدر في 19 ديسمبر عام 2017، وقدمت القرار مصر والسويد واليابان.

هل لك أن ترسم لنا خريطة للوضع الإنسانى فى سوريا؟

أودّ ان أحذر من العواقب الوخيمة المترتبة على تفاقم الأزمة الإنسانية فى أنحاء البلاد وخريطة الوضع الإنسانى فى سوريا هى على النحو الآتي:

- فى الغوطة الشرقية، يوجد 400 ألف شخص محاصرون من بينهم 700 فى حالة حرجة. وتزداد فى هذه المنطقة المحاصرة منذ عام 2013 الاحتياجات الإنسانية، ولَم يتم توصيل المساعدات إلى المحتاجين منذ 10 ديسمبر الماضي.

- فى إدلب، أدت العمليات العسكرية إلى نزوح 300 ألف شخص خلال الستة أسابيع الماضية وأحذر من خطورة وصول النازحين إلى الحدود التركية. ومع ارتفاع نسبة النازحين قد لا تتمكن إدلب من تحمل عواقب استمرار القتال، وفى نفس الوقت تبقى الفرعة وكفريا فى إدلب محاصرتين من قبل الجماعات المسلحة.

- فى عفرين، العمليات العسكرية الجارية من جهة، والحصار الذى تفرضه قوى أخرى على مخارج المنطقة من جهة ثانية، أدت الى نزوح 325 ألف شخص إلى القرى المجاورة وإلى أحياء مدينة حلب، ومن المتوقع أن يزداد عدد المدنيين المتضررين مع تصاعد القتال مع وجود نقص حاد فى موارد المياه والمواد البترولية.

- فى الرقة، بلغ الدمار الذى حل بالمدينة حدا كبيرا، ولا تزال المدينة غير آمنة، ويبقى من يحاول العودة من المدنيين عرضة للموت أو الإصابة بمخلفات الحرب من المتفجرات. الخدمات غائبة عن المدينة، ولا يستطيع عاملو الإغاثة دخول المدينة بسبب عدم توفر الشروط الآمنة.

- فى الحسكة، تم التوصل إلى اتفاق يسمح لبعض شركاء الأمم المتحدةبمتابعة عملهم، ورغم كونه خطوة إيجابية، فإن الاتفاق محدود بشهرين فقط.

- فى الجنوب، وهى المناطق التى نطلق عليها » مناطق صعب الوصول إليها«، يتعذر وصول الفريق الإنسانى إلى مخيم الركبان من داخل الأراضى السورية حيث يوجد 50 ألف سورى لا نستطيع توصيل المساعدات لهم. وفى المناطق التى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، سواء فى مخيم اليرموك أو غيره من المناطق يبقى المدنيون محتجزين ومعرضين للعنف.

ومع كل هذه الظروف تبقى خطة الشهرين التى تم الاتفاق عليها للوصول إلى المناطق المحاصرة متعطلة بسبب القيود المفروضة على الوصول، وفى حال تم السماح بالوصول إلى تلك المناطق، فمن الممكن إرسال ثلاث قوافل إسبوعيا، تصل إلى أكثر من 700 ألف شخص فى تلك المناطق. لذلك أطالب بوقف فورى لكافة الأعمال العدائية لمدة شهر كامل على الأقل فى جميع أنحاءالبلاد، للسماح بتوصيل المساعدات والخدمات الإنسانية، وإجلاء الحالات الحرجة.

ما هو تأثير الأجواء التى رافقت مؤتمر سوتشى من وجهة نظركم على الوضع الإنساني؟

 يتأثر الوضع الإنسانى بالطبع بشكل مباشر بالوضع السياسى ، فتدهور الوضع الإنسانى مرتبط بشكل قوى بعدم اتخاذ قرار سياسى لوقف إطلاق النار أو عقد اتفاق سلام، ونأمل أن يحققوا خلال اجتماعات جنيف بإشراف دى ميستورا تطورا فى الملف السياسى ليتحقق السلام. وبالنسبة للاجئين السوريين فى دول مجاورة أو حتى النازحين داخل سوريا فإن همهم الأول هو الأمن والسلام كشرط أساسى للعودة

ما هى الخطوة القادمة بعد فشل مجلس الأمن فى تبنى بيان يهدف إلى دعم خطة خماسية اقترحتها الأمم المتحدة لتعزيز فاعلية العمليات الإنسانية فى سوريا؟ وهل يمكن ان تعطينا فكرة عن الخطوط العريضة لهذه الخطة؟

فى بداية هذا العام زار مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية المقيم فى نيويورك سوريا لأول مرة، ووجه خمسة طلبات للحكومة السورية، الأول، إعادة العمليات الإنسانية للأمم المتحدة فى سوريا بأسرع مما يمكن. والثاني، أن تكون هناك طريقة للوصول إلى جميع المناطق وخاصة المناطق المحاصرة والمناطق الصعب الوصول اليها. والثالث، أن تمكن الحكومة السورية منظمات الإغاثة من توصيل مساعدات من داخل سوريا إلى منطقة الركبان فى جنوب .والرابع، تسهيل عمل المنظمات الدولية والمنظمات المحلية السورية التى نتعامل معها حيث تواجه حاليا صعوبات كبيرة فى عملها وتحركها. والخامس ، ضرورة حماية المدنيين. وللأسف الشديد بعض الدول فى مجلس الأمن رفضت اعتماد هذا البيان. اعتقد أن الخطوة القادمة هى استمرار النقاش والضغط للموافقة على بعض النقاط ومن المهم جدا أن يعتمد مجلس الأمن هذا القرار لتسهيل العمل الإنساني.

بماذا تطالبون المجتمع الدولى الْيَوْمَ من أجل استئناف عملكم الإنسانى ؟

الوضع صعب جدا ويحتاج إلى تدخل عاجل من أطراف عدة لكى نستطيع أن نواصل مهمتنا، وأول طلب لنا هو وقف فورى لإطلاق النار. وأشدد على أننا نقوم بعملنا بحيادية لخدمة جميع الأطراف ولا علاقة لنا بالسياسة، وأصبح عارا على الجميع أن يدفع المدنيون الثمن، وأن يحصد النزاع المستمر الأرواح البريئة فى كل أنحاء سوريا. لذلك فنحن نشعر كعاملين فى الإغاثة بأن الدبلوماسية فشلت على مستوى العمل الإنساني. وفى النهاية أوجه نداء إلى المجتمع الدولى لتمويل برامج الإغاثة للتمكن من توصيل المساعدات لجميع المواطنين فى كل المناطق.