سلمان الدوسري 

 السير أنتوني سيلدون، هو نائب رئيس جامعة «باكنغهام»، وهي واحدة من أقدم الجامعات في بريطانيا وأعرقها وأهمها، توقع أن يحل «الروبوت» مكان الإنسان خلال السنوات العشر المقبلة في مجال التعليم، ويقضي على مهنة التدريس في العالم، مخلفاً وراءه ملايين المعلمين الذين سينتهي عملهم في هذا المجال. كما توقع أن يؤدي التعليم الآلي إلى تقليص ساعات الدوام في المدارس والجامعات، ليصبح 30 في المائة من العملية التعليمية فقط داخل فصول الدراسة. لكن ما مناسبة الحديث عن السير؟! القصة أنه تم تعيينه من قبل حكومة بلاده ليكون مبعوثاً بريطانياً خاصّاً للتعليم في السعودية لدعم «رؤية 2030». وذلك كجزء مما اتفق عليه البلدان في ختام زيارة ولي العهد السعودي إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تعيين السير مايك ريتشارد مبعوثاً خاصاً للرعاية الصحيّة للغرض نفسه.

الجديد هنا أننا تعودنا أن تركز الزيارات الرسمية على التوافق السياسي والتعاون العسكري، وحتى تعزيز المصالح الاقتصادية، أما قطاعات أخرى كالصحة والتعليم، على الرغم من أهميتهما القصوى، فإنها في العادة تترك للمسؤولين والوزراء الأقل أهمية، هذا إذا لم نقل إنها تُهمل تماماً، ولا يتم التطرق لها أساساً، أما هذه المرة فالحكاية مختلفة جداً، السعودية الجديدة تأخذ على عاتقها الارتقاء بالإنسان السعودي أولاً، وبالطبع لن يتم ذلك إذا لم يتم تطوير الأساليب والطرق التي يتلقى خلالها السعوديون تعليمهم، ولا جدال في أن بريطانيا على رأس الدول التي تتقن ذلك، بدءاً من رياض الأطفال والتعليم الابتدائي والثانوي، حتى التعليم العالي، وكذلك التميز في مهارات التدريب المهني، بالمقابل هناك شغف سعودي رسمي بنقل الخبرات والتجارب المتميزة في دعم تطوير التعليم في المراحل المبكرة، وأيضاً تعزيز التعاون في القطاع الصحي في مجالات التدريب، والرعاية الصحية الأولية، والاستثمار الصحي، والصحة الرقمية.
عندما اختار ولي العهد السعودي بريطانيا كأول دولة غربية محطة لزياراته الخارجية، فقد كان الهدف واضحاً بإنشاء شراكة طويلة الأجل، وهو ما أكدته الرياض، أن المملكة المتحدّة شريك استراتيجي في «رؤية 2030»، نظراً لخبراتها المتقدمة في القطاعات العامة والخاصة، وغير الربحية فيها، في القطاعات التي تشمل التعليم والصحة والثقافة والترفيه والخدمات المالية والتقنية والعلوم والابتكار والطاقة والأمن والدفاع وعلوم الحياة والطاقة المتجددة، مع إطلاق البلدين مجلس الشراكة الاستراتيجية السنوي، ليكون آلية رئيسية لحوار منتظم، لتعزيز كل جوانب العلاقة الثنائية، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والدفاع والأمن، والمساعدات الإنسانية، والمواضيع الإقليمية والدولية. وهنا يمكن القول إن الأهم قد حدث، فالزيارة لن تنتهي بمغادرة طائرة الأمير محمد بن سلمان الأراضي البريطانية، وإنما ستكون بداية وضع أساس لشراكة فاعلة طويلة المدى، تستفيد منها السعودية كما تستفيد منها بريطانيا، ولا شك أن الخبر السعيد هو أن التعاون في قطاعي التعليم والصحة كان على طاولة المباحثات، بين ولي العهد السعودي ورئيسة الوزراء البريطانية.
إذا كانت لندن أبدت اهتمامها بالتعاون والعمل، للمشاركة في الفرص الكبيرة التي نتجت مؤخراً من التغييرات الإيجابية في السعودية، فإن الرياض بدورها أكدت ثقتها بالدور الريادي والخبرة العريقة التي تمتاز بها المملكة المتحدة، في قطاعات كثيرة تحتاجها شريكتها. ولعل اللافت هنا الرغبة السعودية الجامحة للاستعانة بأفضل التجارب العالمية في استراتيجيتها لإعادة هيكلة الدولة، واستغلال علاقاتها المتميزة مع الدول المتقدمة والحليفة، لنقل خبراتها المتميزة وتجاربها والاستفادة منها. ولو لم تخرج زيارة ولي العهد السعودي إلا بتحقيق مطلب سعودي قديم لتطوير قطاعي التعليم والصحة، ورفع مؤشرات الأداء للمؤشرات العالمية، لكفاها ذلك نجاحاً.