محمد السعيد إدريس

إذا كان هناك من يعنيه أمر ترقب احتمالات نجاح أو فشل اللقاء المزمع بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونج أون قبل نهاية مايو/ أيار المقبل فهو إيران التي تواجه أزمة مشابهة مع الولايات المتحدة وحلفائها حول برنامجها النووي ومشروعها للصواريخ البالستية. الدولتان مصنفتان أمريكياً على رأس «محور الشر»، والدولتان خاضتا معارك دبلوماسية هائلة حول قدراتهما النووية والصاروخية مع الغرب وتواجهان ضغوطاً عسكرية واقتصادية ليس فقط بسبب هذه القدرات النووية والصاروخية ولكن أيضاً، وربما بالأساس، بسبب نظامهما السياسي الذي يصنف عدواً من منظور الأمن والمصالح القومية الأمريكية.

تدرك إيران أنها هي أول من سيدفع سقوط ثمن «الصخرة الكورية الشمالية» من قمتها، إذ لن تبقى غير إيران التي سيصوب الجميع نحوها، في حال نجاح واشنطن في تطويع كوريا الشمالية وإجبارها على إزالة وليس تجميد قدراتها النووية والصاروخية. وقد حسم الرئيس ترامب أي اجتهاد بهذا الخصوص عندما لخَّص موقفه من إدارة الأزمة التي تعمد تفجيرها مع إيران حول اتفاقها النووي بقوله إنه، أي الموقف الرسمي الأمريكي، «ليس بين القبول بالاتفاق النووي الموقع مع إيران كما هو أو بين التوصل إلى اتفاق أفضل، ولكن التوصل إلى اتفاق أفضل، أو لا اتفاق على الإطلاق»، أي أنه يضع إيران أمام خيار واحد هو الانصياع لشروط تفرِّغ الاتفاق الحالي من مضمونه وتنهي تماماً أي فرصة مستقبلية لإيران لأن تكون دولة نووية. 

ربط ترامب بين الموقف الذي يعده لإيران والاتفاق الموقع معها حول برنامجها النووي وبين لقائه مع الرئيس الكوري الشمالي واحتمالاته، جاء إثر انتهاء لقائه مع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» في البيت الأبيض (5 مارس/ آذار الجاري)، وهو اللقاء الذي خرج بعده بنيامين نتنياهو مفاخراً بما أنجزه مع الرئيس الأمريكي وهو ما فشل فيه على مدى ثماني سنوات مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بتجهيل الملف الفلسطيني تماماً كأولوية لها علاقة بالأمن والسلام في الشرق الأوسط لصالح ملف إيران ومشروعها النووي. وعبر عن ذلك بقوله إثر خروجه من الاجتماع مع ترامب «لم نتحدث عن الفلسطينيين أكثر من ربع ساعة، وأن نصف الوقت قد خصص لإيران، سيتوجب على ترامب أن يتخذ قراراً مهماً بشأن الاتفاق النووي مع إيران». 

هذا يعني أن الحسم مع إيران قد اقترب، وأن الربط بين فرص نجاح أو فشل الانفتاح الأمريكي على إيران من خلال اللقاء المنتظر بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية، من شأنه أن يضع إيران بين احتمالين أفضلهما أسوأ من الآخر.
أول هذين الاحتمالين هو احتمال نجاح لقاء ترامب مع كيم جونج أون، عندها سوف يعمم ترامب النتائج. أخطر ما في هذا الاحتمال أن يعتقد ترامب أن سياسة التشدد والتهديد والوعيد بضرب كوريا الشمالية بأسلحة نووية، وسياسة الضغوط والعقوبات الاقتصادية المشددة هي التي أجبرت زعيم كوريا الشمالية على قبول لقاء ترامب على قاعدة «التنازل» عن قدرات بلاده النووية والصاروخية، إذا اعتقد ترامب بصحة هذه الرؤية أو هذا الاعتقاد فإن إيران ستكون في هذه الحالة هي المستهدفة، وعليها أن تستعد من الآن لدفع الأثمان.
هذه الرؤية الأمريكية تتجاهل حقيقة أن القبول الكوري الشمالي بلقاء زعيمها مع الرئيس ترامب جاء استجابة لدعوة رئيس كوريا الجنوبية الذي ربط بين تجاوبه مع مساعي كوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية بتحسين العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ما يعني أن طموح الزعيم الكوري للتقارب مع كوريا الجنوبية وتجديد حلم توحيد الكوريتين هو الدافع الأساسي، وأنه جاء بناء على النجاحات والاختراق الدبلوماسي الذي جاء على يد كيم يو جونج شقيقة الزعيم الكوري الشمالي بحضورها دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقامتها كوريا الجنوبية في مدينة بيونج تشانج ولقائها مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جان إن وتسليمه دعوة رسمية لزيارة كوريا الشمالية، وقبول الأخير تلك الدعوة لكنه ربط قبولها بتحسين ضروري مسبق للعلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. 

ثاني هذين الاحتمالين أن يفشل لقاء الرئيس الأمريكي مع نظيره الكوري الشمالي عندها سوف تضاعف واشنطن شيطنتها لكوريا الشمالية وحليفتها إيران، وأيضاً ستكون إيران مدعوة لدفع المزيد من الأثمان في ظل ربط قوي للعلاقة بين كوريا الشمالية وإيران، والتأكيد على أن كوريا الشمالية هي أهم حلفاء وداعمي إيران في مشروعيها النووي والصاروخي.

المؤكد أن إيران تدرك هذين الاحتمالين وخطرهما، وتدرك أيضاً أن أي تقارب محتمل بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة سيضعها على المقصلة لأنها ستكون وحيدة في التحدي الذي تخوضه الآن، وأنها باتت مطالبة بدفع الأثمان أكثر من أي وقت مضى.