سمير عطا الله

 الأرض تدور ونحن ندور معها. وهي تفعل ذلك بسرعة هائلة، بحيث لا ندرك سرها. كل ما نلاحظه أن الأشياء تتغير من حولنا ومن حولها. وفي دورانها، تترك للشمس أن تشرق على أهل المسكونة في مواعيد مختلفة.

كل يوم يحمل متغيراته. وسرعان ما تتحول الأيام إلى عصور، والحاضر إلى تاريخ، والتاريخ إلى ما قبل التاريخ.
كل ما نستطيعه هو تدوين ما يمكننا تدوينه. وبما أنني أحد ملايين المدونين، فما زالت الأيام تدهشني. كل شيء يدهشني. سروراً أو خيبة أو حزناً. وأكثر ما يدهشني هم طبعاً البشر. يوم يغنون لهذه الأرض ويوم يدمرونها. يوم يزرعونها ويوم يحرقونها.
ولا نستطيع شيئاً سوى تدوين ما نرى. وحياتنا بسيطة لكنها مدهشة. والجميل منها سرعان ما يصبح أمساً منفصلاً عن الحاضر. لقد ضاع في دورات الأرض. 
قادني إلى كل هذه التأملات غزو «الكليبات» لعالمنا. أيام دورتنا كان عندنا (العالم العربي) نحو عشرة مطربين ومطربات، وأقل من ذلك نجوم ونجمات، وأقل منهم موسيقيون ومؤلفون. والآن لا أعرف، ولا تعرفون. دليل تطور؟ ربما. لكنه بالتأكيد دليل دوران.
مثلاً: لم يعد في الغناء أم كلثوم، ولا عبد الحليم، ولا عبد الوهاب، ولا وديع الصافي؛ لكن هناك العشرات، أو المئات من سواهم. ولم يعد للشاشة سيدة مثل فاتن حمامة، أو وجه وردي مثل هند رستم؛ لكن هناك العشرات، أو المئات ممن ليس لهن حضور فاتن أو فتنة هند. ولم يعد هناك أحمد رامي أو بيرم التونسي؛ لكن هناك العشرات ممن يكتبون الأغاني لـ«كليبات» تدور أحداثها تحت الشجر - على الجسر - فوق النهر.
لم يعد يهم الفن أن يكون ذا قيمة: «القيمة» كانت عقدة الزمن الماضي وهاجسه. أم كلثوم تزوجت من طبيب لكي تكون في صدر المجتمع. وفاتن تزوجت من طبيب بعد مخرج ونجم. و«نجمة الإغراء» هند رستم تزوجت من طبيب. وذهبت مرة إلى عباس محمود العقاد لكي تقول له إن أكثر ما يبهرها في الحياة الأدب والفكر. وحدثته عن زواج مارلين مونرو، نجمة هوليوود، من الكاتب المسرحي آرثر ميللر، وكأنها تتحدث عن نفسها، هي التي كانت تدعى مارلين مونرو الشرق.
يجب الاستدراك بأن أم كلثوم وفاتن حمامة غيَّرتا النظرة إلى الفن، وأصبح الطب أو سائر المهن يفاخر بالانتساب إليه. لكن عندما بدأت أم كلثوم الغناء، وفاتن التمثيل، كان الفن لا يزال نوعاً من الحظر عند العائلات المحافظة. وهذا لم يمنع هند رستم، ابنة لواء الشرطة، من تجاوز التقاليد.