سعود الريس

 تتحامل الأمة العربية على آلامها للمشاركة في قمة تستضيفها السعودية، لعلها تهدئ قليلاً من آلام المواطن العربي ووقف نزيفه. في وقت تحشد فيه الولايات المتحدة الأميركية لشن هجوم متوقع على مواقع سورية إثر استخدام النظام هناك السلاح الكيماوي، ومن جانبها، تستعد روسيا لمواجهة من أي نوع للهجوم الأميركي، بطبيعة الحال لا أتحدث عن مواجهة عسكرية، لكن الأوضاع تنذر بالكثير، إيران من جهتها تعمل على ثلاث جبهات، السورية لضمان بقائها، واللبنانية لضمان سيطرتها، واليمنية للتأثير على القمة العربية. العراق مشغول بإعادة البناء وسط احتفالات هزيمة «داعش»، من جهتها، لا تزال مصر تعاني اقتصادياً إلى درجة أنهكت سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء، وتركيا تتحسب من إدانة لوجودها في سورية وفي شمال العراق، ثورات لا تزال تمزق الأمة العربية، فقر ينهش أبناءها، حنين إلى عهد الديكتاتوريات، تلك هي مشاعر الأمة.

هكذا يمكن تلخيص مشهد العالم العربي، ولا يبدو أن هذه الدول قادرة اليوم على تقديم الكثير لقضاياها، فالصراع على السلطة لا يزال حاضراً، ومن كانوا يتكاتفون بالأمس هم ذاتهم الذين يشتبكون اليوم ليخرجوا قضاياهم عن سياقها.

من بين هذا الركام يبقى مجلس التعاون الخليجي متحصناً ضد ارتدادات الهزة التي أصابت عالمنا العربي، وذلك التحصن هو هبة من الله، الذي أوجد دولة قادرة على ملء الفراغات التي شهدتها المنطقة، وإلا لكان المشهد أكثر مأسوية وأشد فتكاً. لذلك من الطبيعي جداً أن نجد هناك من يعمل لإحباط أي عمل يتم القيام به، لإفشال ذلك الحراك وتعطيله.

دعونا نتمعن قليلاً، افتقد العالم العربي خلال الأعوام الماضية زعيماً قوياً قادراً على مواجهة الظروف كافة والتعاطي معها وإخضاعها، زعيم لديه مشروع، وهذا المشروع سيستعيد الأمة العربية، ويعيد صياغة سياساتها لتحصينها، تمهيداً لنهضة جديدة، بطبيعة الحال لن يعجب هذا المشروع الكثيرين، وسيسعون لإفشاله بشتى الطرق والوسائل، وعندما نتحدث عن الآخرين فنقصد هنا إيران وتوابعها، التي بلا شك تخشى هذا المشروع وتعمل على الإطاحة به، واليوم ونحن نقترب من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن البرنامج النووي الإيراني في أيار (مايو) المقبل، قد نشهد المزيد من التصعيد الإيراني في شتى الجبهات، فليس مستغرباً تصعيد الحوثي استهداف المدنيين السعوديين والمقيمين في المملكة بالصواريخ الإيرانية في هذا التوقيت، فمن جهة تحرص طهران على إيصال رسالة للقمة العربية، ومن جهة أخرى تطمح إلى الضغط على واشنطن من خلال إظهار قدرتها على إشاعة الفوضى في المنطقة، ولا نستبعد أن تسعى إلى فتح جبهات أخرى، مثل استغلال العناصر التي دربتهم وهيأتهم في السعودية والبحرين والكويت، بل لا نستبعد أن تقوم بما هو أكثر من ذلك جراء حال الإحباط التي يعيشها النظام هناك.

النجاحات التي يحصدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الصعيد الدولي، لا بد أن تكون مخيفة بالنسبة إلى طهران بل ومرعبة، لأنها تعيدها إلى المربع الأول، ومن تابع زيارات ولي العهد إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا ومن قبلها بريطانيا، سيتلمس على الفور نتائجها وما تم تحقيقه على الأرض، وهذا بالتأكيد غير مُرْضٍ لإيران وأتباعها في المنطقة، بل هو حافز لهم للعمل على مواجهة ما تم تحقيقه بكل ما يمكن وعبر شتى الوسائل والطرق.

ما سبق يؤكد لنا أنه لن تفيد كثيراً دعوة إيران إلى التخلي عن أطماعها، لأنها وظفت عقيدتها لتحقيقها، ولن تتخلى عنها، لكنها على رغم ذلك بدأت تتهاوى أمام تسيُّد السعودية المشهد في العالم العربي، فالرياض اليوم ليست رياض الأمس، الظروف المحيطة اختلفت، والأدوات التي بيدها لا تملك إيران أياً منها، أما قيادتها فهي تتحدث اللغة التي يفهمها العالم، وتمكن العالم من فهمها، لذلك لم يعد الحديث عن مشروع عربي ضرباً من التنجيم، فإلى وقت قريب كنا نسمع من يقول إن هناك مشروعاً إيرانياً، وآخر تركياً، لكننا لا نجد مشروعاً عربياً، هكذا كان كثير من النقاد والمحللين والسياسيين يقولون، وعندما تسأل أحدهم وما هو المشروع العربي الذي تقترحه ويجب تقديمه؟ لا تجد جواباً، بل تبريراً غير مباشر لأطماع تلك الدول. حسناً، أصبح هناك مشروعاً عربياً اليوم يهدف إلى استعادة الأمن والاستقرار المخطوفين، وإعادة صياغة سياسات المنطقة وتقوية مناعتها، من خلال وضع مبادئ وأسس لعالم عربي متحضر متصالح مع ذاته ومتضامن مع الدول الأخرى، ألا يمكن اعتبار ذلك مشروعاً عربياً في هذه المرحلة يستحق أن نتضامن لتحقيقه؟ تلك هي الأولوية اليوم التي ينبغي وضعها في الاعتبار، فالمنطقة العربية تأثرت بالفراغ الكبير الذي عانته جراء الثورات التي اندلعت ووُظفت للنيل منها، واليوم نحن ندفع ثمن تلك الثورات التي لا تزال تأكل في بعض الدول، إذاً فعلياً نحن أمام عالم عربي منهار لا يملك إلا العيش على ذكرى أمجاد بناها الأولون، فيما يهيم المواطن العربي وهو يحمل آلامه على كتفه بحثاً عن أرض تؤويه من طائرات أو براميل متفجرة أو صواريخ عابرة.

السعودية اليوم تجسّد الدولة «المحورية»، التي يعرِّفها المؤرخون بول كنيدى وروبرت شاس واميلى هيل بأنها «بقعة جغرافية ساخنة لا تحدد فقط مصير إقليمها، بل إنها تؤثر أيضاً على الاستقرار العالمي»، هذا الوصف بلا أدنى شك ينطبق على السعودية، التي بدورها وظفت هذه الميزة لخدمة العالمين العربي والإسلامي، المفاجئ أن الدول التي لديها مشاريع في المنطقة ليست وحدها من يسعى لعرقلة جهود السعودية، بل هناك دول عربية تمارس الأدوار ذاتها، على رغم أنه غير مطلوب منها سوى عروبتها، وأن تكون «عربية» فقط ليس إلا...