علي نون 

علي نونكانت ولا تزال وستبقى واحدة من ألمع حِكَم الزمان الخالدة، تلك التي تقول إن «العدو» أو «الخصم» هو في حالات مفصلية أفضل حليف ممكن! وأكثر نجاعة ومردوداً من مجمل عدّة المواجهة الذاتية! وإن من ألطاف ربّ العالمين بعباده أن يعوّض عن بعض هنّات صاحب الحق، بمَدَدٍ من صاحب الجور ذاته!..

تسري في الكبيرة والصغيرة تلك الخبرية. وفي الثقيلة والخفيفة والمركزية والطرفية والجدّية والتافهة سواء بسواء.. وتنطبق في هذه الأيام على الانتخابات النيابية ومسراها وتفاصيلها وحملاتها الإعلامية والسياسية والتعبوية والتصفوية!

وصحيح مسبقاً، الافتراض، أن «حزب الله» يعتمد، غير سائر خلق الله، نمطاً أدائياً خاصاً به قوامه الأساس، جمهوره أولاً.. تعبئة واستنفاراً واستنهاضاً، بما يعنيه ذلك من عدم أخذ «الأغيار» في الحسبان كثيراً! وعدم «الاهتمام» بقياساتهم وآرائهم، ثمّ في حالات كثيرة، عدم الركون إلى المنطق المألوف بين الناس عموماً، خصوصاً إذا كان ذلك معناه تسفيه القول الحزبي أو مخالفة طرقه وأساليبه وجدواه وآليات عمله!

وفي هذا يُقال (مجدداً)، إن الخطأ الشائع الذي تقع فيه القراءات التحليلية الغيرية لأداء «حزب الله» هو اعتمادها على البديهيات العامة. وأحياناً كثيرة، على الحسابات الباردة! التي تقول، حتى برغم خروجها من باب الخصومة والعداء، إنّ ما يفعله هذا الحزب مسيء له ولجمهوره بداية، قبل اقترافه ذنب تلك الإساءة في حق الغير، القريب والبعيد والحليف والخصم.. والخطأ هنا تماماً بتاتاً مباشرة! أمّا الصواب، فهو أنَّ المنطلقات والجذور والخلفيات التي تصدر عنها قرارات وقراءات وخطوات ذلك الحزب، لا تخضع في جلّ الحالات وأكثرها، سوى إلى المخزون الفكري والديني والوظيفي الخاص وشبه الحصري، والمربوط دائماً بخطّين خارجيين: واحد يذهب إلى «الوليّ الفقيه» في طهران، وتوجيهاته العامة والتفصيلية. وآخر (موصول) يذهب إلى الذات الإلهية انطلاقاً من تفسير النص الديني وتأويله، ووضع مرضاتها، كما يراها أهل «الصفوة الناجية»، في مقدّم جدول الأعمال! ولا يهم في هذا السياق والنطاق، أن يكون بعض الغير يعتمد التوليفة السماوية ذاتها! ويعتقد أيضاً، وبإصرار يقيني أشدّ متانة وصلابة، أنّه مؤتمن على مفاتيح الجنّة والنار! ويملك وحده «أسرار» الطريق إلى كل منهما! وأن الصفوة دانت له وليس لسواه! وأن النجاة كُتِبت لقومه وليس لغيرهم!

في صراع اليقينيات هذا، تذهب أمم ودول وشعوب، فراطة وفرق عملة! لكن الإعجاز في الهمم الخلاصية هذه، يكمن تماماً في إزدراء الغير، القاصر والضحلّ. وعدم أخذه على مجمل الجد. أو عدم استحقاقه الجهد التبريري والشرحي.. يكفيه في هذا المقام جواره للمنتقين والخلاصيين! وعدم تدفيعه كل الأكلاف دفعة واحدة! ثم التغاضي عن «وجوده» أصلاً وفصلاً ومبتدأ وخبراً..!

في عجالة الانتخابات وطقوسها وأبوابها، يرمي «حزب الله» بكلّ قضّه وقضيضه فيها، ولا يعوّف إلاّ النار! بل تراه يكتفي بوهجها! وبمعرفة الغير بأنها ولعانة على الدوام! وقابلة للاستخدام «النظري والنفسي» على الأقل! وإنه كـ«خصم» صادر عنها ومُصدّر لها! وأنّه في الأساس والفرع يباشر طقساً «مدنياً» اضطراراً وليس قناعة! ومرحلياً وليس مبدئياً! ويستطيع ذلك من موقعه المصطفى والمجتبى طالما أنَّ المرحلة برمّتها وسطية عابرة بين دُنيا وعُليا وبين أرض وسماء.. وتحضيرية في كل حال، لإكمال شروط عودة صاحب الزمان!

.. في تفصيل الضخّ والطخّ الذي يعتمده صاحب الشأن الحزبي لتعبئة جمهوره واستنهاضه ذوداً عن «المقاومة» وصدّاً لـ«المتآمرين» عليها، سبكاً بلاغياً لا ينزل تحت سقف الفسطاطين! والعالمين! والساحتين! والمشروعين! ولا يخالط السبك شيئاً من واقع الحال الأهلي، أو السياسي، برغم الضرورات القاضيات بغرابة التحالفات! ومقتضيات المناورات الانتخابية وشروطها و«آلامها»! والخلاصة في ذلك أنّ التناقض هو صنو انتهازية لطالما كانت مذمّة عند أهل اليقينيات والمقدّسات.. وصنو خطاب يريد شحذ الهمم فلا يفعل سوى العجب! ولا يخدم إلاّ «الأعداء» المطلوب هزيمتهم استكمالاً (تامّاً!) لهزيمة «الصهاينة والأميركيين» على أبواب دمشق!