عبدالرحمن التويجري 

هل تلاشت الجهود التي تبذل منذ أكثر من خمسة عقود، للنهوض بالأمة العربية الإسلامية في مجالات البناء التربوي والعلمي والثقافي، للحاق بركب التقدم العالمي في هذه الميادين الحيوية؟..

تقارير الأمم المتحدة، و «اليونيسكو»، تجعل غالبية دول العالم الإسلامي في المرتبات الدنيا، مما يؤشر إلى تراجع مريع في مستويات النموّ من النواحي كافة، ويضع العالم الإسلامي دون المرتبة التي تتوافَقُ وتتناسَبُ مع الموارد والطاقات والقدرات التي تتوافر لديه بمراحل بعيدة. لقد أدت التجارب الفاشلة في السياسة والإدارة ومعالجة الأزمات، إلى حدوث أوضاع من عدم الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والسلم الأهلي، فتعرضت المكتسبات الوطنية والحقوق المشروعة في عدد من دول العالم الإسلامي، لصنوف من الفوضى المدمرة، والانقسامات المجتمعية عرقياً وطائفياً، أعادها إلى الوراء عقوداً من الزمن.


ونتج من ذلك كلّه أن الآمال خابت، ومسيرة التنمية تعطلت في بلدان عدة، والتحديات تزايدت، والمشكلات تفاقمت، والأزمات تعقدت، والمسالك انغلقت ولم تعد مفتوحةً أمام جل الشعوب الإسلامية نحو التقدم والتطور والتنمية والازدهار والسلام، وبناء الدولة العصرية على أسس راسخة، وفي ظل سيادة القانون والحكم الرشيد ورفاهية المواطن.

فهل يُترك هذا الإخفاقُ في مجالات التنمية البشرية، ومن منطلقات التربية والتعليم والعلوم والثقافة، يثبط الهمم، ويبث اليأس، ويشكك في القدرات التي يملكها العالم الإسلامي؟ ويؤدي إلى حالة من الانهزام النفسي الذي يشل إرادة العمل والمبادرة؟ أم نعقد العزم على مواصلة العمل من أجل إنقاذ ما في الإمكان إنقاذُه، وإعادة البناء على قواعد جديدة، وبفكر متجدد مستنير، وبرؤية شمولية تستشرف آفاق المستقبل وترسم معالم الطريق المؤدية إليه؟

ولا يجادل أحد في أن حاضر العالم الإسلامي لا يعكس طموحات الشعوب الإسلامية، ولا يعبر عن تطلعاتها، ولا يترجم الأشواق والآمال التي كانت تختلج في النفوس قبل نصف قرن أو أقل منه. فلقد كانت شعوبنا تحلم بالتقدم إلى الأمام، وبالسلام يعم أرجاء دنيانا، وبالوئام يسود بيننا، وبروح الإخاء تهيمن علينا، وبإثبات الحضور العربي والإسلامي في الساحة الدولية باعتبارنا مجموعة حضارية لها مكانتها اللائقة بها، تساهم في بناء السلام العالمي، وفي صناعة الحضارة الإنسانية الجديدة. بيد أن الواقع ينطق بخلاف ذلك، فما تشهده المناطق العربية والإسلامية من هذا العالم، من بؤر التوتر، ودواعي الخلاف، وأسباب الاحتقان، وعوامل الصراع بين أبناء الأمة الواحدة، يعكس حالة من الضعف في الكيان العربي الإسلامي الكبير لا سبيل إلى معالجتها إلا بالإصلاح السليم والجاد والهادف والشامل، الذي يبني ولا يهدم، ويصلح ولا يفسد، وبتغيير الأوضاع العامة بالمنهج العلمي، وبالأسلوب الحضاري على أساس من التحديث والتجديد والتطوير، وعلى قواعد كفالة حقوق الإنسان واحترام القوانين الدولية، ودون تفريط في القيم الأخلاقية والمقومات الحضارية والخصوصيات الروحية والثقافية العربية والإسلامية، لأنها جميعاً مصادر حيوية ودائمة للقوة الذاتية.

ولكن تَصَاعد حدّة الأزمات والحروب التي تكاد تطوق العالم الإسلامي، مما جعل أكبر نسبة من اللاجئين في العالم هم من بلدان إسلامية، إلى جانب تَفَاقُم الخلافات البينية، وتَضَخُّم النعرات الطائفية التي تمزق النسيج المجتمع في دول عدة، وبروز التيارات الفكرية والمذهبية الهدامة، في ظل تَزَايُد الجماعات المتطرفة، وتَفَشي النزعات الإرهابية وانتشارها، ونشوء الدعوات التكفيرية التي يحرّف أصحابها صحيح الدين، كلّ ذلك يؤثر تأثيراً عميقاً وقوياً في الاستقرار في مناطق عدة، وينعكس سلباً على حركة النمو، إنْ لم يتسبّب في تعطيل عجلاتها. وهو الأمر الذي يمثل تحديات شديدة الوطأة على المجتمعات العربية الإسلامية تفرض على غالبيتها أوضاعاً مزرية وتخلّفاً مُريعاً.