جميل الذيابي

لاشك أن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى قمة رباعية في مكة المكرمة، لحل الأزمة المتفاقمة التي تعيشها المملكة الأردنية، تدخلٌ من «شقيق» وقت الضيق. ولم تكن بهدف تقديم حلول وقتية مسكّنة لأزمة تتشعب توصيفاتها، وتتعدد أسبابها، ويتعدد الوالغون في تسبيبها، كل بما له من مطامع ودوافع، وإنما حلول مستدامة وحزمة مساعدات اقتصادية متكاملة والتزامات أمام البنك الدولي.

الملمح الأبرز للأزمة هو الاقتصاد. وهي مشكلة ظلت تلازم الأردن منذ قيام مملكته على هذه الرقعة الجغرافية الإستراتيجية. ذلك أن الأردن يقع في أرض تفتقر للموارد الطبيعية، خصوصاً المياه، والنفط.

وزاد هذه المشكلة استفحالاً حال الاضطراب التي نراها في محيط الأردن: فالعراق لم يعد قادراً على مواجهة تحدياته الداخلية ليمد يده لجاره عوناً ومساعدة. وسورية في أسوأ حالاتها. وتعد ضراوة الحرب السورية سبباً رئيسياً في استفحال مشكلات الأردن، الذي فتح أراضيه لاستقبال مئات الآلاف من السوريين الفارين من بطش وإبادة نظام بشار الأسد وجماعات الإرهاب والاحتلال الإيراني. كما أن الوجود الفلسطيني على التراب الأردني ظل ولا يزال أحد مسببات التوتر الدائم في هذه البلاد، وقد وصل في ذروته إلى مرحلة احتلال الأردن في عهد الملك الراحل حسين بن طلال.

ومع رقة حال الأردن، تعمل إيران على إضعافه ليكون معبرها للضفة الغربية، مثلما دعمت الإرهاب ومولته في شبه جزيرة سيناء لتجعلها معبرا لقطاع غزة، إذ تهيمن على حركة حماس. وتستغل إيران الساحة الأردنية من خلال علاقتها المثبتة مع جماعة الإخوان المسلمين التي نجح الملك عبدالله الثاني في قصقصة أجنحتها في بلاده.

وفوق ذلك كله، يأتي تفاقم الأزمة في الأردن في وضع «جيوبوليتيكي» أسوأ: حرب في سورية، وانشغال الشقيق الخليجي في مواجهة العدوان الإيراني الحوثي على اليمن، وانهماك مصر في الحرب على الإرهاب وتصفية الوجود الإخواني في الاقتصاد والسياسة، وتحول تركيا إلى مقر للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وانغماس النظام القطري في المؤامرات والتدخلات وتحويل الإمارة الصغيرة جداً إلى ملاذ للجماعات الإرهابية والمتطرفة، خصوصاً قيادات الإخوان، و«القاعدة».

وبالطبع، فإن الأردن لم يسلم من أذى النظام القطري الحريص على مساعدة إخوان الأردن على تصفية حساباتهم مع الحكومة الأردنية. ولا بد من الإشارة إلى أعباء الأردن حيال القضية الفلسطينية.

وتضاف إلى ذلك العوامل المهمة الأخرى، خصوصاً «وصفة» صندوق النقد الدولي لمعالجة الخلل الاقتصادي الأردني، وكانت أكبر من طاقة الأردنيين على التحمل، لذلك خرجت التظاهرات الغاضبة في الشوارع لتشل الحركة في البلاد، ما استدعى تدخل الملك عبدالله الثاني وإقالة حكومة هاني الملقي، وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة، وتوجيهاته بأن تتم مشاورات وحوار واسع بين مختلف مكونات المجتمع الأردني بشأن مشروع قانون ضريبة الدخل، والإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي.

ولذلك كله كان لابد أن تتدخل السعودية لأجل المملكة الأردنية، ولم تكن مبادرة مستغربة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهي في حقيقتها امتداد لمواقف نبيلة وأصيلة اتخذتها السعودية لإطفاء الحرائق التي تهدد أمن المنطقة وتدعم البلدان العربية واستقرارها.

فقد اتخذت السعودية مبادرات حازمة مماثلة حيال دعم البحرين ولبنان، كما عمدت إلى تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية لإعادة الشرعية في اليمن الذي تحتله إيران من خلال عميلها الحوثي. وساندت مصر لتقوى على مواجهة مؤامرات الإخوان المسلمين وتهديد استقرار أرض الكنانة، وتخريب الاقتصاد، وإشاعة الإرهاب والإضرابات والتظاهرات.

الأكيد أن الملك سلمان لن يهدأ له بال حتى يضمن عودة الاستقرار للأردن، ليجد طريقه إلى النمو والاكتفاء والتفاعل الإيجابي المطلوب مع قضايا أمته. وكم كان حكيماً بدعوة الشقيق الكويتي والشقيق والعضيد الإماراتي إلى قمة مكة المكرمة، وهذا يلخص قول خادم الحرمين الشريفين خلال زيارته الأخيرة إلى عمّان: إن أمن الأردن من أمن السعودية، وإن ما يهم الأردن يهم السعودية، وما يضرها يضر السعودية؛ لأن أمن الأردن جزء لا يتجزأ من أمن الأمة العربية، وكما قال الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز في يوم ما «الأردن في بؤبؤ العين».