سمير عطا الله

كنت يوماً عائداً من باريس إلى لندن في سيارتي. وفي نحو منتصف الطريق قبل بحر الشمال، بدأ المطر يهطل غزيراً وثقيلاً كأنه يطاردني عمداً. وتطلعت إلى جوانب الطريق إلى يميني، فوجدتها بدأت تفيض مثل نهر أفاق فجأة واندفع يقطع الدرب على أهل اليابسة. وحصل لي تماماً ما حدث لرجال طارق بن زياد: البحر من أمامكم والطوفان من ورائكم. وقررت أن البحر أعقل من هذا الفيضان المحيق، فأعقلت بدوري وتوكلت ومضيت نحو الميناء تزفني عاصفة مطرية مثل التي نراها في الأفلام.

تكرر المشهد في بيروت قبل يومين. الثلوج تتساقط سريعة في الجبال، والأمطار تزخ مجنونة على السواحل، والرياح تحمل هذه وتلك، وتنسفها على الرؤوس التي تجرأت على الظهور. وعلى الوجوه والأجسام.

خطر لي وأنا أقطع مسافة نصف ساعة عادية في سيارة تاكسي أن الرحلة ستدوم إلى الأبد. وسألت السائق إن كانت سيارته تنطفئ في مثل هذه الحالات من العبور البرمائي. وبدل أن يحاول طمأنتي قرر أن يحافظ على نزاهته واستقامته، فقال: «بدك الحقيقة، ما بعرف. لم يمرّ بي شيء من هذا قبلاً». ولما لاحظ أن لوني امتقع، رمى إليّ بطرف حبل من التشجيع قائلاً: «بس الكوري (السيارات الكورية) عادة قبضاي».

منذ أن انتقلنا إلى منزلنا هذا قبل نحو عقد، لم أترك الشرفة الزجاجية إلى الداخل، سوى هذه المرة. انهالت علينا جميع درجات الرعود والبروق، وألح المطر مثل لجاجة السياسيين. وفي الخارج كانت الأشجار تتلوى تحت أسواط الريح وتكاد تلامس الأرض. وبعضها هوى وتكسّر. وفي رحلة العودة إلى المنزل، رأيت واجهات المحال مقفلة رغماً عنها، فالطرقات مقفرة من المارة، ومن اضطره الأمر، غرق في المياه، وحطمت الريح مظلته وأهانت ملبسه ومظهره.

وعلى الجانب الآخر من العاصفة، قدَّم الفلاحون الشكر والحمد. فالمطر خير ولو هطل غاضباً. والشتاء الماضي كان شحيحاً ومقلاً، فلم تتفجر الينابيع ولم تخضر الأودية، ولم تلمع سطوح البحيرات الصغيرة. ولكي يكون الربيع ملوناً والصيف مثمراً، لا بد من الخير ماطراً. فالخلق سر يتكرر. وما لنا إلا أن نتأمل ونضرع.

ففي الأيام الماضية أيضاً، هبطت عربة صينية على القمر، وأميركية على المريخ. ولست أدري عمّ يبحثون. يقال عن بضعة غالونات مياه وشيء من الأكسجين.