عقل العقل&

قبل أيام تابعت بحزن وألم حلقة من برنامج «يا هلا» على قناة «روتانا خليجية» تناولت موضوع مرضى الإيدز في مجتمعنا وهمومهم ومشكلاتهم، وكان اثنان من المصابين بهذا المرض من ضيوف الحلقة، وكانت وجوههم مضللة لا يمكن مشاهدتها بوضوح.


أثار أحد المرضى اسمه عبدالله، وكان أكثر صراحةً وتعبيراً عن معاناة مرضى الإيدز في مجتمعنا وكذلك الطبيب المختص في هذا المرض والمشارك بالحلقة الدكتور نزار باهبري، في آخر البرنامج أن أمنيتهم أن كانت يظهر هؤلاء المصابين بالمرض من دون تظليل! كم هي أمنية بسيطة، ولكن الرفض الاجتماعي وصل إلى درجة عالية من النفور من هذه الفئة لدرجة أنهم يطلون من خلف الحواجب، السؤال: من يتحمل هذه النظرة الدونية والمفزعة منهم؟

نحن نظل بشراً ولنا تجاربنا التي قد يكون لها نتائج سلبية علينا في حياتنا، ولكن لا يجب أن نتوقف وتنتهي حياتنا بسبب علاقات عاطفية تطورت، كثير من البشر يسافرون إلى مدن العالم ويمرون بمثل هذه التجارب ويصابون بالأمراض ومنها الإيدز، والبعض قد ينتقل لهم المرض جراء نقل دم في الجراحات أو عن طريق أطباء الأسنان وغير ذلك، كما عبر الطبيب المشارك بالبرنامج، علينا ألا نكون منظرين وملائكة ومتشفين ممن أصيبوا بهذه المرض والذي تقدم الطب في السيطرة عليه بدرجة متقدمة ونجد الكثيرين منهم يعيشون حياة طبيعية من زواج وإنجاب أطفال، لكن ما يؤثر في هؤلاء هو النظرة والنبذ الاجتماعي من قبل مجتمعنا والذي لا شك أنه يعمق النظرة السلبية تجاههم، فلا يستطيعون الزواج من الداخل ولا يحصلون على وظائف كغيرهم في القطاعين الخاص والعام، وكما فهمت أن عليهم أن يقدموا فحصا طبيا عند التقدم لأي وظيفة، وإذا ظهرت نتيجة المرض إيجابية في تقاريرهم يتم رفضهم في أغلب الوظائف وفي حالات كثيرة هم أنفسهم لا يعودون إلى أصحاب العمل لمعرفتهم بقرار توظيفهم وهو الرفض الدائم، كما عبر عنه عبدالله أن مثل هذا الرفض قد يدفعه وغيره إلى الانتحار.

باعتقادي أن على وسائل الإعلام خاصة العمل على تقليل تشويه صورة هؤلاء من خلال تغير الصورة النمطية في المسلسلات التي تصورهم كوباء معد يجب الابتعاد عنهم، علينا أن نحتفل مع دول العالم باليوم العالمي لمرضى الإيدز وأن تكثف الحملات التوعوية في المجتمع تجاه هذه الفئة المظلومة، خاصة أننا ننظر ونكرر أننا مجتمع متسامح ومتكاتف، ولكن عندما تسمع مثل هذه المعاناة لمثل هؤلاء تشك في هذه المقولات المكررة، بل إن بعضنا يعتقد أنها هذا العذاب إلهى يستحقونه نتيجة ممارسات يرون أنها غير أخلاقية.

المملكة أقرت نظام الوقاية من مرض نقص المناعة (الإيدز) وهذه خطوة متقدمة على الجانب الرسمي، وتضمنت مواد النظام مادة تشدد على عدم جواز منع المصاب من التمتع بالحقوق المقرة له بموجب الأنظمة، أو منعه من حق متابعة تعليمه، أو فصله من عمله، بسبب مرضه إلا إذا ثبت تعمده نقل العدوى إلى غيره، وأستثنى النظام حقهم في العمل في مجالات الكوادر الصحية والعسكرية.

علينا أن نكون أكثر وعيا بحقيقة هذا المرض والذي كما قال الطبيب باهبري أنه يحتاج إلى حبة يوميا كما مرض السكري مثلاً من دون حاجة إلى التهويل والتشفي ممن أصيبوا به في ظروف مختلفة. إن ثقافة السكوت على مثل هذه الحالات لن يحلها وقد يزيد من خطورتها وانتشارها في المجتمعات العربية، مناقشة الظروف المحيطة بالمصابين والأخذ بيدهم سيزيل الكثير من اللبس ونظرة الخوف والتوجس منهم، وهم في النهاية جزء منا علينا التعاطي معهم بكل إنسانية ومحبة.