&خالد العضاض&&

كانت السياسة السعودية حكيمة حينما تداركت نفسها ووضعت قوائمها للمنظمات والشخصيات، بل والدول الإرهابية، وعدم انتظار المصالح الأميركية لتتقاطع مع مصالحها

حصل ريتشارد ميتشل على شهادة الدكتوراه من جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية في عام 1960، بأطروحة تحت عنوان: (الإخوان المسلمون)، وكتبها على جزأين، الأول: في تاريخ الجماعة، والثاني: في التنظيم والأيديولوجيا.&
وصدرت هذه الدراسة لأول مرة في كتاب باللغة الإنجليزية بنفس العنوان (الإخوان المسلمون) عن منشورات جامعة أكسفورد بلندن في عام 1969، ثم ترجمت إلى اللغة العربية بثلاث ترجمات مختلفة:
الأولى: قام بها عبدالسلام رضوان، وعلق عليها صلاح عيسى، وصدرت هذه الترجمة عام 1978.
والثانية: قام بها الدكتور محمود أبو السعود، وهو من تلاميذ حسن البنا، وعلق عليها صالح أبو رقيق، عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، وصدرت هذه الترجمة في عام 1979.
أما الترجمة الثالثة: فكانت بعنوان مختلف، وهو: (أيدلوجية جماعة الإخوان المسلمين) وقاما بها عبدالسلام رضوان ومنى أنيس، ولم يدونا عليها تاريخ النشر.


كان الإخوان -حتى السعوديين منهم- يطلقون على هذه الدراسة لقب (التقرير)، إشارة إلى أنها لا تعدو عن كونها تقريرا استخباريا أميركيا، ولقد قيل كلام كثير حول هذه الدراسة، منه أنها كانت برعاية من المخابرات الأميركية المركزية، وتكمن أهمية هذه الدراسة، إضافة إلى كونها دراسة استقصائية مركزة حسب المتوافر من مصادر ومعلومات وأحداث وقتها، في أنها أقدم دراسة من جهة النشر، وكانت أول دراسة معتبرة، تشير إلى ارتباط ما بين الجماعة، والمخابرات العالمية المتمثلة في المخابرات البريطانية بعد المقالات الشهيرة التي نشرها أحمد السكري في صحيفة الوفد عام 1947، وعندما نشرت دار جداول للنشر كتابا في عام 2013، بعنوان: الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة، لمؤلفه: هيوارث دَن، وترجمة: أحمد الشنبري، وتقديم وتعليق الفذ: علي العميم، اتضح أن كلام، أو تقارير هيوارث دن عن العشرين سنة الأولى من حياة الإخوان المسلمين وسيرة حسن البنا ودعوته، كما يقول المفكر رضوان السيد: إنه كان التأليف الأول عن البنا والإخوان. وعليه بنى كل اللاحقين، خاصة ريتشارد ميتشل. فله قيمة الأسبقية، كما أنه كاشف فيما يتعلق بعدة مسائل شديدة الأهمية، لو أننا قرأنا الكتاب دون مقارنات وتحقيقات وتدقيقات الباحث علي العميم لما تنبهنا إليها!).
خرجت جماعة الإخوان المسلمين إلى الوجود عام 1928 في الإسماعيلية على يد حسن البنا وبمنحة مالية قدمت من شركة قناة السويس لإنشاء مركز لها في المدينة الصغيرة، وتم استعمال تنظيم الإخوان للتصدي للوطنيين واليساريين المقاومين للاحتلال البريطاني والذين كانوا متأثرين بالقومية العربية واليسارية الدولية. (ريتشارد ميتشل في كتابه جماعة الإخوان المسلمين).
وروى المستر هيوارث دان في كتابه آنف الذكر، بأنه كان صديقا شخصيا للشيخ حسن البنا، وطالبه نائبه أحمد السكري بأربعين ألف دولار وسيارة في مقابل التعاون -على عكس ما ادعاه السكري في مقالاته الشهيرة في صحيفة الوفد التي أشرنا لها بعد طرده من الجماعة-، وظلت هذه العلاقة في طي الكتمان إلى أن تولى حزب الوفد السلطة بعد حادث 4 فبراير 1942، حيث قامت حكومة الوفد بإغلاق جريدة الشعب التابعة للإخوان، والإبقاء على المركز العام.
واستمرت اللقاءات السرية الإنجليزية مع الإخوان في العهد الملكي والثورة، وقامت المواجهة بين الحكومة وجماعة الإخوان.


وما يجعل الأمر ملتبسا، حد التناقض، هو العلاقة الباقية بين البريطانيين (وهذا له مقال قادم) والأميركان من جهة، والجماعة الأم للإرهاب الإخوان المسلمين، على الرغم من الإنكار الشديد لهذا الدعم أو التنسيق من قبل الجماعة، وعدم التصريح به من قبل الطرف الآخر، ولكن الأثر العميق لهذا التنسيق والتعاون يتضح جليا في النتائج السياسية التي نراها كل يوم، فأميركا ما زالت مترددة وغير جادة في وضع جماعة الإخوان الإرهابية على قوائم الإرهاب، وإن كانت وضعت بعض التنظيمات التابعة للجماعة، في تلك القائمة، وهذا يحيلنا لسؤال قديم، لم تجب عنه السياسة الأميركية أو السياسة الغربية بعد، وأجزم أنها ستجعله مفتوحا كفضاء عام بلا إجابة واضحة أو دقيقة، وهو ما الإرهاب؟ وما حدوده وما ضوابطه ومعاييره؟ ويبدو أن المعيار والتعريف والتصنيف تدور مع المصلحة الأميركية وجودا وعدما، ومن هنا جاء اتهام السعودية وبعض شخصياتها بالإرهاب بعد أحداث منهاتن الشهيرة.
كانت السياسة السعودية حكيمة حينما تداركت نفسها ووضعت قوائمها للمنظمات والشخصيات، بل والدول الإرهابية، وعدم انتظار المصالح الأميركية، لتتقاطع مع مصالحها، ومصالح أمنها وشعبها ومحيطها الإستراتيجي في ظل التحديات الكبرى التي تشهدها المنطقة.
وكما لا يخفى أن بعض الدوائر والأطراف السياسية الأميركية والغربية ما زالت تسعى إلى استخدام الإخوان المسلمين استخداما سياسيا لإحداث تغيير سياسي في المنطقة، كما تقوم جماعة الإخوان بإنفاق أموال كبيرة لإرجاء إدراجها كمنظمة إرهابية، وهذا نتيجة دعم الدول الراعية للإرهاب مثل قطر وتركيا، وهذا هو السبب الرئيس في استمرار تنظيم الإخوان المسلمين حتى الآن.


ويكمن السبب وراء عدم إدراج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية نتيجة لأن دوائر صنع السياسية داخل الولايات المتحدة الأميركية سيطر عليها المتعاطفون مع الإخوان من السياسيين الأميركيين، نظرا للنظرية القديمة التي تبنتها الإدارة الأميركية في آخر 10 سنوات من أنه آن الأوان لتولي جماعة الإخوان الحكم في الدول العربية، باعتبارها جماعة ذات صلة وثيقة بأميركا، وتمثل على حد فهمهم الإسلام المعتدل، وفي ذات الوقت جماعة تراعي المصالح الأميركية، كما أن هذه الدوائر ذاتها لا تريد خسارة دول تمول الإخوان كتركيا وقطر والدول التي يشكل فيها الإخوان ثقلا، إضافة إلى حاجة أميركا في استخدام جماعة الإخوان كأداة ضغط، كل هذه العوامل وغيرها، تدفع واشنطن إلى التردد بإدراج الإخوان في قوائم الإرهاب.


كما أن جماعة الإخوان لجأت إلى أساليب مشبوهة لتجميل صورتها، وفي هذا الصدد تقول داليا زيادة مدير المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة: (جماعة الإخوان لجأت مؤخرا إلى الاقتراب، وعمل شراكة مع منظمات يهودية لها تأثير كبير على دائرة صنع القرار الأميركية، من أجل أن تجمّل هذه المنظمات اليهودية صورة الإخوان)، وعن كيفية عمل الإخوان هذه الشراكة، تقول زيادة: (جماعة الإخوان أقنعت بشكل ما هذه المنظمات اليهودية على أنها تستطيع عمل صلح بين الجاليات المسلمة وبين المنظمات اليهودية، بالإضافة إلى أنها قادرة -أي الإخوان- على إنهاء الصراع الفلسطيني اليهودي)، مؤكدة أن جماعة الإخوان موَّلت مراكز بحثية أميركية بمليارات الدولارات من أموال قطر، من أجل تجميل التنظيم، وأشارت «زيادة» إلى أن قطر تدفع المليارات لتجميل صورة الجماعة، واستخراج دراسات وأبحاث تزعم أن فكر الإخوان وسطي، وأن الجماعة لا تنتهج العنف.
أخيرا، الصحوة لن تندثر، اعملوا على التحصين والوقاية، فهذا خير من التراخي، والظن بأن الجسد شُفي من الداء العضال.

&