& مـحمد يونس

&أدعو النخبة الثقافية والسياسية إلى تجديد العلاجات الطبية التقليدية التى تقوم على التشخيص وصرف الأدوية والجراحات، بحيث يتفقون على أسلوب مبتكر للعلاج ينهى الأمراض المزمنة ويخفض نفقات العلاج التى تقدر بالمليارات. عفوا أرى ملامح امتعاض واتهام لى بأنى خارج سياق العصر الذى يقوم على التخصص العلمى الدقيق. وكأنك تسألنى ما دخل المثقفين والكتاب والأدباء بأمور العلاج؟ وهم ليسوا خريجى كليات الطب؟ حسنا اتفق معكم وأرجو أن يماثله سؤال آخر: وما دخل هؤلاء بأمور الدين وهم ليسوا من خريجى كليات العلوم الشرعية؟ نقول ذلك لأنه تصدى للاجتهاد فى تجديد الخطاب الدينى أناس لا علاقة لهم بعلوم الدين .نعم هذا التجديد مطلب مشروع ولكن هناك فرق بين تجديد الخطاب الدينى وتبديده.

&وهنا لدينا عدة ملاحظات:

أولا: أن الدعوات التى تأتى من الخارج لإصلاح الدين، وتطالب بحذف بعض آيات القرآن الكريم والتعامل معه وكأنه كتاب ثقافى يمكن إصدار طبعة جديدة مزيدة ومنقحة منه، وتعاود الظهور بين فترة وأخرى منذ أحداث 11 سبتمبر2001م، ليست تجديدا بل تعتبر تبديدا، لأن الدين بطبيعته محكم ومكتمل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة: 3)

أما تجديد الخطاب الدينى فينبع من طبيعة الإسلام ضمن دعوة مستمرة إلى التجديد، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوى الذى رواه أبو داود فى سننه والحاكم فى مستدركه عن أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وفى الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية فى الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضارى.

ثانيا: إن كون الإسلام لا يضع وسيطا بين الإنسان وربه، لا يعنى أن أى أحد يفتى فى أمور الدين، نعم لا رهبانية فى الإسلام، ولا سلطة دينية للدعاة، ولكن إذا أردت ان تجتهد فى شئون الدين فعليك ان تتأهل لذلك بأن تدرس علومه.

ثالثا: غياب المنهج العلمى فى تناول القضية، وأولها تحديد المفاهيم، فهناك فروق بين النصوص الدينية والفكر والخطاب الدينى،&فالفكر الإسلامى يعنى تلك المنظومة المفاهيمية والفكرية والعلمية والثقافية والفلسفية والحضارية، التى ينتجها الفقيه/المفكر/الفيلسوف/المثقف اعتمادا على فهم النص وفق الضوابط الشرعية، وفهم الواقع ببصيرة رسالية وقرآنية. أما الخطاب الإسلامى فهو الوجه الإعلامى للفكر الإسلامى، سواء من خلال الاتصال المباشر بين علماء الدين والمفكرين الإسلاميين والجمهور مثل الخطب والدروس الدينية، أو من خلال الاتصال غير المباشر عبر وسائل الإعلام الجماهيرية كالصحافة والإذاعة والتليفزيون، فضلا عن الوسائل الإلكترونية الحديثة. ومن ثم فإن الخطاب الإسلامى، يختلف عن النص الإسلامى الذى يشمل القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، ويتسم بالثبات، غير أن ثبات النص لا يعنى أن قراءته ثابتة، وإنما هى متجددة، فعطاء القرآن وفهمه واستيعابه يتجدد فى كل عصر.

وبناء على ذلك فإن تجديد الخطاب الإسلامى لا يعنى المساس بثوابت العقيدة والعبادات ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، إنما يعنى إعمال العقل فى المشكلات المعاصرة لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة والحلول الملائمة لوضع الأمة على طريق النهوض الحضارى. كما يعنى تجديد فهم العلماء للقرآن والسنة الصحيحة، ويتناول المستجدات والنوازل فى قضايا معاصرة، لكنه لا يتناول أبدا القطعيات والمسلمات الشرعية. ومن ثم فإن الدعوات التى تطالب بالاكتفاء بالقرآن الكريم، وبترك السنة النبوية ليس تجديدا وانما تعتبر تبديدا للدين، كما أن الافتئات على دور الأزهر الذى يعتبر منبع الاعتدال والوسطية ليس نقدا بل هو هدم لأهم قلاع الدين الصحيحة.

رابعا: تحتاج مجتمعاتنا إلى خطاب إسلامى جديد، وليس مجرد تطوير فى الخطاب الحالى، على طريقة تغيير طلاء البيت من الخارج، وإنما يتطلب الأمر تغييرا نوعيا فى بنية الخطاب وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، وتجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حاملى هذا الخطاب ومنتجيه، لكى يلبى احتياجات الشعوب المسلمة فى ظل الظروف الراهنة التى تعيشها، ويستجيب للتحديات التى تواجهها وفق معطيات العصر. وهذا يعنى أن تجديد الخطاب الدينى ينبغى أن يسبقه الأمة: تجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات، فلا يتحقق تجديد الخطاب الإسلامى فى أى دولة مسلمة دون تجديد مفاصل الدولة وبنيتها وأركانها ومؤسساتها وإعادة بناء المسلم المعاصر فكرا ووجدانا ليكون مشاركا فاعلا فى عملية التجديد والبناء.

خامسا: إن قاعات البحث يجب ان تسبق وسائل الإعلام فى مناقشة قضايا التجديد وليس العكس.