& محمد خليفة&

&
بلغ القلق على مستقبل أوروبا وثقافتِها وحضارتِها، من وجود التطرف الديني هناك، ذروتَه في الفترة الأخيرة؛ خاصة بعد تزايد هجمات المتطرفين الإرهابيين في أكثر من دولة أوروبية، وشعور الأوروبيين المتزايد بأن وجودهم بات في خطر، ما لم يتخذوا زمام المبادرة، ويضعوا حداً لتدفق المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى بلدانهم. ففي بلجيكا وحدها أصدر، الأسبوع الماضي، مكتب المدعي العام الاتحادي 369 إدانة جرائم إرهابية في السنوات الأربع الأخيرة.&
&&
ورغم أن أوروبا الغربية عاشت فترة من الرخاء الاقتصادي المقرون برخاء فكري أطلق عليه «عصر الحداثة»، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن رخاءها الاقتصادي بدأ يتلاشى، على وقع الأزمات الاقتصادية التي داهمت معظم دول الغرب، وبالتالي فإن رخاءها الإقتصادي والفكري بات محكوماً عليه بالتلاشي.&
وتحاول الحكومات الغربية أن تتعالى على جراح الأزمة الاقتصادية، إلاّ أن الشعوب الغربية المكتوية بنار الضرائب والغلاء والبطالة، تدرك جيداً أن حكوماتها تمارس تزييفاً كبيراً للحقائق؛ لتحقيق مشاريع ذات أبعاد سياسية عالمية أكثر منها محلية. ولذلك فقد بدأت هذه الشعوب تتحرك دفاعاً عن مصالحها، فظهرت الأحزاب اليمينية المتطرفة في دول أوروبية عديدة، وهذه الأحزاب تدعو بصوت واحد إلى طرد المهاجرين؛ وخاصة العرب والأفارقة من غرب أوروبا، وإلى الانغلاق على الذات، والخروج من الاتحاد الأوروبي.&
&&
وكاد اليمين المتطرف أن يصل إلى الحكم في فرنسا، لولا أن باغته إيمانويل ماكرون الذي كان مدعوماً من بعض ذوي المصالح، لكن تراجع شعبية الرئيس الفرنسي، خصوصاً بعد أن بدأت احتجاجات «السترات الصفراء»، إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ رؤساء فرنسا، وانعدام الأفق في وجود بديل حضاري يتمتع بشعبية واسعة بعيداً عن اليمين المتطرف، كل ذلك ربما يؤدي إلى وصول هذا اليمين إلى الحكم في الانتخابات القادمة عام 2022، وربما قبل مجيء ذلك الوقت ستحدث تطورات مؤلمة في فرنسا، وغيرها من دول أوروبا، حيث ستتنامى بشكل مرعب، موجات الكراهية لغير الأوروبيين، وربما يتم اتباع أساليب غير قانونية في التعامل معهم، وذلك على الرغم من دعوات قطاع واسع من الأوروبيين اليوم للحفاظ على تقاليدهم الحضارية، وعلى رأسها احترام المهاجرين بينهم.&&
إن انكفاء اللاتين «الإفرنج» مع مطلع القرن الرابع عشر عن المشرق العربي، لم يكن إلا بسبب هزيمتهم في تلك الحرب الطويلة.&&
&&
إن الجاليات العربية الإفريقية التي طرأت على تاريخ أوروبا، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، والتي استمرت حتى الوقت الراهن، باتت مهددة في وجودها هناك لأسباب متعددة أهمها، أن الغرب المتطرف لن يقبل بوجود هذه الجاليات تعيش بينها، وتشكل جزراً معزولة عنها فكرياً وثقافياً.&
إن الشعوب الغربية ذات ثقافة هي جزء من سياق فلسفي أوسع في الفلسفة الإنسانية المرتبطة بمسألة الآخر، بكل ما يرتبط بهذه المسألة من تسامح ديني وثقافي عام، ومن الصعب عليها أن تتخلى عن ثقافتها الأصلية التي عاشت عليها قرابة ألفي سنة، وفي ظل انهيار منظومة القيم في الغرب جراء الضعف الاقتصادي. إن الغربيين سيعمدون، في لحظة معينة في المستقبل، إلى تخيير المسلمين المقيمين في بلادهم، بين العودة إلى أوطانهم، أو مواكبة الحداثة الغربية وإيديولوجيتها، وإذا امتنعوا عن هذا التحول؛ فإنه سيتم التضييق عليهم في معاشهم ووجودهم في مجتمع يتقاطع معهم عقدياً، وربما هذا ما سوف يحدث في المستقبل القريب.

&