& أسامة مهران&&

&لم يكن غريباً على الوزير البحريني السابق عبدالنبي عبدالله الشعلة أن يستنجد بالأموات، كي يساندوا أمتنا في قضاياهم. وأن يستعين بمبادئهم لإحياء مبادئ ماتت في ضمائرنا، وتحنطت في تصرفاتنا، ومسحتها ذاكرة السنين.

أصدر الوزير المفكر كتاباً عن المهاتما غاندي، أبحر معه في عالمه المثالي، الذي عاش ووري الثرى من أجله، تناسخ روحياً مع مواقفه من الأديان الأخرى، مع اتفاقه أو اختلافه في حرب قبائل الزولو ضد الاستعمار البريطاني بجنوب أفريقيا، ثم تعاطيه مع قضايا أمتنا العربية والإسلامية التي ورثها لحزب المؤتمر المساند «سابقاً».
رغم حظر التجول الذي تتسم به منتديات الأفق الواحد، تجول الكتاب بين يدي الحضور في حفل ساهر كبير مع مطلع العام الجديد بأعلى نقطة في مدينة المنامة، كانت مبادئ التعايش والتسامح «والعفو عند المقدرة» مطروحة بقوة على طاولة المتفكرين، بينما كانت طبول الرفض للآخر، وأهازيج النيل منه تصدح في أعالي الفهم غير المتبادل بين النخب.
«كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن»، بهذه الكلمات تقدم المفكر البحريني الكبير د. علي محمد فخرو الجمع الغفير، بدأ بفلسفة يمكن التعاطي معها، ولم يستهل المنتدى بكل ما جاء في العرض السريع، الذي قدم به الكاتب عبيدلي العبيدلي أوراق اعتماده كمحلل سياسي من طراز جديد، بالنتيجة.. لا الشعلة تمكن من إقناع النخب بأن غاندي يمكن أن يفعل أي شيء لقضايانا العربية المعاصرة، ليس لأنه ذهب مع رماد عظامه بعد القائها في «النهر السحيق»، إنما لأن «سلبية المقاومة» لم تعد تجدي نفعاً مع أصدقاء أكثر حماقة من أعداء الأمس.
لا الشعلة نجح في اختيار القدوة المساندة بالكيفية التي يريد، ولا فخرو تمكن من إبطال مفعول قنابل عبيدلي الموقوتة، التي زرعها مع كل موقف لغاندي، الاستنجاد بالتاريخ قد يؤتي أؤكله كل حين، ولكن الانتظار لـ«حديث الروح» قد يطول أمده، ونحن نترقب ذلك الحوار الطويل بين المتعطشين لمشروع إنقاذ، وهؤلاء المتكالبين على «الاختلاف» مع كل من جاء «من كل فج عميق».
تحدث البعض معلقين على كتاب الشعلة، ولكنهم في الغالب لم يكونوا منصفين، وفي ظني أنهم لم يقرأوه عن ظهر قلب، كل ما هنالك مجرد خمس ورقات تناول بها محلل النص عبيدلي العبيدلي فكرة التقديم لأحد مراجع العرب، التي نجح الوزير الشعلة في الخروج بها إلى الناس قبل أن يمضي قطار الاجتهاد إلى حال سبيله.
عمق الفكرة أدهشني، ودماثة الخلق التي تحلت بها فلسفة السرد أعادتني إلى تاريخ ما قبل نهرو وأنديرا، وكيف كانت الهند وما زالت في مقدمة الأمم، التي تسعى إلى البقاء بحيوية، وسط عالم يفتقر إلى المرونة والحيوية.
كيف ساندت فكرة الوطن المسيج بغطاء الدولة في الماضي؟ وتلك التي ذهبت من دون غطاء إلى فكرة الأمة بروحها الفضفاضة المائعة في الوقت الحاضر؟ الدولة أم الوطن، الوطن أم الأمة، شقا رحى يهرسان بينهما شعوباً فقدت الأمل في الخروج بـ«أضعف الإيمان» من كل معاركها.

&