&زياد الدريس&

كان يمكن لهروب الفتاة السعودية رهف القنون أن يمر مرور الكرام لو أن استراليا رحبت بطلبها الانتقال إليها والعيش فيها بدلاً من العيش عند أهلها في السعودية، فتصبح قضيتها تشبه، إلى حدٍّ ما، حالة سعوديين آخرين قرروا منذ سنوات العيش في إحدى دول الغرب مدداً طويلة ثم عادوا، أو لم يعودوا أبداً. سيبقى طبعاً للجانب النسوي تشويقاته الخاصة للعاب الإعلام، خصوصاً في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً أكثر في السعودية!

لكن كندا جعلت من هروب رهف قضية دولية حين استخدمت الفتاة (ورقة) في ملف العلاقات السعودية الكندية المتوترة. عنوان الملف إنساني لكن محتواه سياسي بحت. وكان يمكن لحكومة كندا أن تكون أكثر ذكاءً في إخراج المشهد (الإنساني) لاستقبال الفتاة السعودية في مطار تورونتو لو أن الذي خرج لاستقبالها هو السيد أحمد حسين وزير الهجرة واللاجئين أو السيدة مريم منصف وزيرة أوضاع المرأة، لكن غباء مشهد الاستقبال اكتمل بخروج وزيرة الخارجية الكندية نفسها لاستقبال مراهقة هاربة من أهلها، وبذا انسلخت القضية من جانبها الإنساني، وتكشّف الجانب السياسي الوضيع فيها.

الذين عاشوا في الغرب مُدداً كافية يعرفون بأن النساء هناك، رغم كل مساعي الحرية والشعارات التي ترفعها المنظمات النسوية، ما زلن يعانين من تهميش واستغلال وتعنيف، يتزايد مع تغوّل الرأسمالية التي لا تتورع عن توسيع الكسب المادي من أجساد النساء يوماً بعد آخر باسم تجارة الجنس المقننة و(المشروعة)!

هذا الوضع الاستغلالي للمرأة يزيد يوماً بعد آخر من عدد المتذمرات الباحثات عن طريق للهروب أو الانتحار، ويمكن لأي دولة في العالم أن تفتح أبوابها ومطاراتها لعشرات الفتيات اللاتي يرغبن الهرب من أهلهن أو من مواخير الجنس في كندا إلى أحضان وزير خارجية دولة مستضيفة!

دوافع هروب الفتاة السعودية، وهل هي مغرر بها كما يريد البعض إحالة المسألة إلى دوافع خارجية، أم أن لديها مبرراتها ودوافعها الداخلية التي يجب أن نتصارح بها ونواجهها؟ هو ما أريد قوله لاحقاً بإذن الله.

أما الذي أريد قوله اليوم، فهو أن التصرف الذي قامت به الحكومة الكندية في مشهد استقبالها للبنت السعودية الهاربة ينمّ عن طفولة دبلوماسية وغش إنساني بالغ الدناءة.

&