تحيي إيران الاثنين، الذكرى 40 للثورة وسط تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة وتراجع اقتصادي حاد ومأزق سياسي داخلي يحول دون التنمية السياسية والاقتصادية في البلاد جراء تقدم الأجهزة العسكرية والأمنية وتراجع دور الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني.
وفي كل عام، تنظم السلطات مسيرة إلى ساحة آزادي (الحرية) في طهران في 11 فبراير (شباط)، تتصادف مع اليوم الذي أطيح فيه رسمياً بالنظام الملكي بعد 10 أيام من عودة المرشد الإيراني الأول روح الله الخميني عقب 14 عاماً من المنفى.
ومن المفترض أن تجمع المسيرة سياسيين إيرانيين وشخصيات عامة ويلقي الرئيس حسن روحاني كلمة خلالها، بحسب تقرير نشرته أمس وكالة الصحافة الفرنسية.


وتكسب مسيرة هذا العام في الذكرى 40 للثورة الإيرانية أهمية بالغة للإيرانيين، بعدما شهد العام الماضي احتجاجات وإضرابات غير مسبوقة شملت مختلف الفئات. وقامت قوى الأمن والشرطة بقمع احتجاجات الطبقتين المتوسطة والفقيرة التي خرجت بأكثر من 80 مدينة إيرانية ضد تدهور الوضع المعيشي والفساد، وشكلت التحدي الأكبر للسلطات منذ انتفاضة عام 2009، بسبب انتخابات رئاسية متنازع عليها. ودعا بعض الإيرانيين إلى الإطاحة بالمرشد علي خامنئي ورددوا هتافات ضد الدور الإقليمي الإيراني، لكنه حمل بدوره «أعداء إيران» مسؤولية ذلك.
وتزامنت مع الضغوط الأميركية المتزايدة على النظام لتعديل سلوك في ملفات تثير قلق المجتمع الدولي.


ورغم أن إيران بدأت في 1 فبراير الاحتفالات السنوية بـ«عشرة الفجر»، فإنها تواجه تحديات اقتصادية حادة بسبب مزيج من الصعوبات الداخلية والعقوبات الأميركية.
وانخفضت قيمة الريال مقابل الدولار، ما تسبب في ارتفاع الأسعار، فيما حالت إعادة فرض العقوبات دون دخول الاستثمارات الأجنبية وحدت من مبيعات إيران النفطية. وردت السلطات الإيرانية بالتحذير من «مندسين» يمكن أن يهددوا البلاد من الداخل وحضت على «الوحدة الوطنية».
وقالت المحامية شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام 2009 في حوار مع وكالة «رويترز» أمس، إن العقوبات الأميركية التي تهدف إلى تقويض نظام ولاية الفقيه لم تؤذِ سوى الإيرانيين العاديين الذين يواجهون مصاعب واسعة النطاق. وأضافت أن «العقوبات الاقتصادية ليست لصالح الشعب. إنهم يجعلون الناس فقراء، ومع ذلك، فإن أولئك المقربين من النظام يستفيدون من العقوبات الاقتصادية، لأن ذلك يمنحهم الفرصة للحصول على أموال قذرة. لذا فإن هذا أمر جيد بالنسبة لهم».
ومن المحتمل أن يكون تحدي إيران في مواجهة العقوبات والضغط الأميركيين موضوعاً رئيسياً في احتفالات الذكرى 40 للثورة التي تبلغ ذروتها يوم الاثنين المقبل.
وتحظى المسيرة السنوية التي تقام على مستوى البلاد باهتمام كبير من السلطات جراء أزمة المشروعية التي تلاحق النظام وتجاهل الدعوات لإجراء استفتاء شعبي حول القضايا السياسية العالقة، ومن بينها تقاسم الأدوار بين أجهزة الدولة التي تخضع لصلاحيات بلا حدود يتمتع بها المسؤول الأول في البلاد المرشد الإيراني، وهو ما يراه كثيرون في إيران تضعيفاً لدور الرئيس الإيراني المكلف بتنفيذ الدستور.
وتشكل المسيرات المرتبطة بالتقويم السياسي في النظام، إضافة إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أهم الركائز التي يراهن عليها النظام في استعراض مشروعيته.
ولطالما تباهت السلطات بنسب المشاركة الكبيرة في الانتخابات دليلاً على شرعيتها. وفي 2017، شارك أكثر من 73 في المائة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات الرئاسية. ورغم اعتراضها على العقوبات الاقتصادية القاسية مثل تلك التي تفرضها واشنطن، فإن عبادي تعتقد أن ضغطاً دولياً كافياً من نوع آخر قد يمكن الغرب من الانتقال السياسي في البلاد وإبعاد رجال الحكم الحاليين.&
ورغم اعتراضها على العقوبات الاقتصادية القاسية مثل تلك التي تفرضها واشنطن، إلا أن عبادي تعتقد أن ضغطا دوليا كافيا من نوع آخر قد يمكن الغرب من الانتقال السياسي في البلاد وابعاد رجال الحكم الحاليين. وقالت عبادي {في رأيي هذا محتمل جدا لأنه في بداية الثورة، كان 90 بالمئة من الشعب الإيراني يريدون هذا النظام. والآن، إن نظمت استفتاء آخر عبر انتخابات حرة فإنك سترى أن 90 بالمئة من أبناء الشعب لم يعد لديهم رغبة في النظام}.
وقال رئيس منظمة البيئة عيسى كلانتري، إن إيران «تقدمت في كثير من النواحي في 40 عاماً»، مشيراً إلى قطاعات الصحة والصناعة والخدمات والتعليم.
لكنه أضاف أن سجلها البيئي «لا يمكن الدفاع عنه». وقال نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري قبل أيام عن تفشي الفساد: «إننا نشعر بالحزن للفساد الموجود في البلاد».
على صعيد النشاط السياسي، بعد 40 عاماً على الثورة، أوضحت «الوكالة الفرنسية» في تقرير من طهران، أن الأحزاب السياسية «تبدو في وضع لا تحسد عليه في الذكرى 40 لقيام النظام الإيراني، إذ تضرب الفوضى صفوف الإصلاحيين بينما يبحث المحافظون عن هوية جديدة».
والتياران الإصلاحي والمحافظ إلى جانب تيار وسط بينهما يسمى الاعتدال وينتمي إليه الرئيس الحالي، تشكل ركائز الخيمة التي تسمح السلطات بالنشاط تحتها وتحتكر وسائل الإعلام والمناصب الحكومية فيها، ولا تعترف السلطات بأغلب الأحزاب التي أسهمت في نصر الثورة، مثل اليساريين والقوميين والأحزاب التي تنشط في مناطق ذات أغلبية من القوميات غير الفارسية.


ورغم تهميش كبار القادة الإصلاحيين، ما زال محمد علي أبطحي (إصلاحي شغل منصب مدير مكتب الرئيس السابق محمد خاتمي) يؤمن بأن «التغيير التدريجي» هو الخيار الوحيد لبلاده.
ومنذ المظاهرات الواسعة التي خرجت للاحتجاج على ما اعتبر تزويراً للانتخابات عام 2009، مُنع خاتمي من الظهور في الإعلام. وفي هذه الأثناء، يقبع المرشحان الرئاسيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية منذ 8 أعوام.
ولا يوجد كثير من المؤشرات التي تدل على بروز جيل جديد لخلافتهم في وقت يملك فيه مجلس صيانة الدستور السلطة التي تخوله رفض أي مرشحين للانتخابات لا يعتبرهم مؤهلين، بحسب أبطحي.
ونقلت الوكالة عن أبطحي قوله إن «مؤهلات المرشحين الذين يمكنهم اجتياز تدقيق مجلس صيانة الدستور متدنية (...) لا يمكن توقع كثير منهم». ودفع ذلك الإصلاحيين إلى تعليق آمالهم على الرئيس حسن روحاني الذي يعد شخصية معتدلة سياسياً سعت للتصالح مع الغرب عبر الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرم في 2015.
لكن ثبت أن آمالهم لم تكن في محلها. ومنذ انسحبت الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق العام الماضي، تراجع الاقتصاد الإيراني بشكل متزايد، ما يفاقم الغضب الشعبي الذي تفجر في الشوارع على شكل مظاهرات عنيفة هزت عشرات المدن والبلدات العام الماضي.
لكن رغم خيبة الأمل الشعبية، أشار أبطحي إلى أن الإيرانيين لا يزالون يمتلكون «ما يكفي من الحكمة لإدراك أن تغيير النظام سيحطم مستقبلهم»، خصوصاً إذا تم ذلك بتنسيق أميركي. وقال: «ربما لو أن الولايات المتحدة حوّلت العراق وأفغانستان إلى جنتين للاقتصاد والحريات الاجتماعية (...) لكانت الأمور اختلفت كثيراً».
وقبل الانتخابات الرئاسية، تخشى الأوساط الإصلاحية من أن دعم روحاني سيرتب عليها ثمناً باهظاً في الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل. فيما بدا جزء من الإصلاحيين يختار طريقاً مختلفة عن تيار خاتمي.
وتحت تأثير الأجواء المشحونة التي تخيم على الإصلاحيين، فإن 3 تيارات أساسية تتحدث حالياً عن التغيير؛ وهم من يحافظون بالولاء لخاتمي ويريدون استمرار النظام مع بعض الامتيازات للتيار الإصلاحي، وتيار يؤمن بأن النظام الحالي عصي على الإصلاح ويطالب بتغيير جذري، فيما يسعى تيار ثالث إلى التوحد مع التيارات والأحزاب المطالبة بإسقاط النظام.


وذهب الصحافي والناشط أحمد زيد آبادي الذي أوقفته السلطات الإيرانية عدة مرات، أبعد من ذلك، قائلاً إن مساعي الإصلاحيين لتغيير شكل الدولة «وصلت إلى طريق مسدودة» منذ مدة طويلة، جراء افتقاد المنظومة «للمرونة» اللازمة لذلك. لكن الفوضى في أوساط المعسكر الإصلاحي لا تعني أن المحافظين هم الجانب المستفيد، بحسب محبيان، الذي يعتقد أن عليهم قبل ذلك «إعادة تحديد علاقتهم مع المؤسسة» الحاكمة.
وبحسب رواية وكالة الصحافة الفرنسية، ليست المجموعات السياسية الرئيسية وحدها هي التي تطالب بالتغيير، إذ يعتقد أشد مؤيدي المرشد الإيراني أن قيمها الأساسية - على غرار السياسات الداعمة للفقراء - أصبحت طي النسيان، مشيرين إلى اتساع نطاق الاتهامات بالفساد. وعلى مدى عقود، ارتبط المحافظون بشكل وثيق مع المؤسسة، إذ شغل كثير منهم مناصب مهمة لا يتم انتخاب القائمين عليها.
بدوره، أشار المحلل والسياسي المحافظ أمير محبيان إلى أنه «عندما هتف المتظاهرون: (أيها الإصلاحيون والمحافظون: انتهت اللعبة)، لم يكونوا مخطئين. الحقيقة هي أن اللعبة (السياسية) تغيّرت». وأضاف محبيان: «حتى الآن، اختار الناخبون المرشح الذي اعتقدوا أنه سيشكل الضرر الأقل (...) لكنهم تحملوا بما فيه الكفاية. يريد الناس الآن شخصاً قادراً على حل مشكلاتهم».


ولم يعط محبيان مزيداً من التفاصيل بشأن المرشحين المحتملين في وقت لم يبدأ فيه التنافس للانتخابات الرئاسية المقبلة التي يتوقع أن تجري في 2021». لكن قرار الإصلاحيين دعم روحاني تسبب في «إفلاسهم»، بحسب المحلل.
ويرى محبيان أن عليهم «التقرّب من الشعب» الذي لم يعد «يثق بهم» ليتمكنوا من الاستمرار في إطار البيئة السياسية المتغيرة.
وفي النظر إلى المستقبل، يعتقد محبيان أن «السنوات الخمس المقبلة ستكون مهمة»، مشيراً إلى أن إيران ستحتاج في مرحلة ما لاختيار خليفة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي سيبلغ 80 عاماً هذه السنة. وأكد: «هذه فترة قد تشهد تغييرات في قيادة البلاد».
وأضاف: «المسألة الأهم هي ما إذا كان أي تغيير في أعلى هرم الدولة سيؤدي إلى تحوّل جذري أم لا؟ (...) هل سيؤدي إلى تغيير الأمور التي نعتبرها حالياً من المقدسات؟ أم أن هذه العناصر ستبقى لكن مع تغير في التوجهات؟».