&عقل العقل&

من السهولة والسذاجة على المتابعين والمتعاطفين في منطقتنا مع ما يحدث في فنزويلا أن يقفزوا إلى أن الأزمة الحالية التي تشهدها هي مؤامرة أميركية - غربية بامتياز، السبب عند هؤلاء هي مواقف الحكم الفنزويلي من قضايا منطقتنا، خاصة موقفه المساند من القضية الفلسطينية والمتمثل بالخطابات العاطفية من قيادات الحكم الحالي ضد إسرائيل جراء ما تمارسه ضد أبناء الشعب الفلسطيني أو طرد السفير الإسرائيلي من هناك، هذه الإجراءات لم تقدم أو تأخر في الملف الفلسطيني على أرض الواقع ، أو أن الرئيس الحالي نيكولاس مادورو له علاقات متميزة مع ما يطلق عليه كذبا وبهتانا بـ«محور الممانعة»، وتوج هذه العلاقة بزيارة إلى طهران.


في عالمنا العربي شهدنا نماذج حكم عربية في ستينات القرن العشرين ذات توجه يساري اشتراكي، في مصر الناصرية ودولة اليمن الجنوبي الاشتراكية وبعدها أنظمة بعثية هنا وهناك، فشلت تلك التجارب شعبيا وسقطت عمليا ولا يزال البعض يتغنى بها ويرجع سقوطها إلى المؤامرة «الامبريالية الأميركية»، وهو ما يردده البعض الآن تفسيرا للأزمة في فنزويلا، لقد سقط النموذج السوفياتي الملهم لهذه القوى نتيجة تردي أوضاعه الداخلية وعزلة حزبه في الداخل السوفياتي ولا يزال البعض يردد نظرية المؤامرة الغربية، لا يعتقد البعض أنني لا أؤمن بصراع المصالح في العلاقات بين الدول والانقلابات العسكرية المدعومة من أجهزة الاستخبارات الغربية وخاصة في دول أميركا اللاتينية، ولكن ما يحدث الآن في بعض هذه الدول من رفع شعارات رومانسية اشتراكية غير مطبقة على أرض الواقع هو ما يجعلها ضعيفة ورخوة للأزمات الداخلية والتدخلات الأجنبية والتي قد تكون سافرة كما يحدث في فنزويلا حاليا، ولكن أنظمة الحكم فيها على رغم انحيازها للطبقات الفقيرة إلا أن هذه الطبقات هي ضحيتها الأولى، والتي نشاهد صورا لها وهي تبحث عن الطعام في أكياس القمامة في شوارع العاصمة كراكاس جراء التضخم الفاحش في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.

دولة غنية مثل فنزولا حيث موارد النفط والمعادن وخاصة الذهب والزراعة والسياحة يصل الحال في شعبها إلى هذا الحال، ويأتي البعض ويردد أنها المؤامرة الأميركية، هذا هو السبب الأسهل والأسرع للتبرير لما يجري هناك من البعض انطلاقا من كره لأميركا جراء سياساتها في منطقتنا، أما ترديد أن فنزويلا يوجد بها ٥ ملايين لاجئ كولومبي فهذا يذكرني بما كان يردده النظام السوري بوجود ملايين اللاجئين العراقيين هناك، ومثل هذه الادعاءات لم تمنع تفجر الثورة السورية.

الضمانة الوحيدة ليس للنظام في فنزويلا، بل لجميع دول العالم وخاصة في منطقتنا ضد التدخلات والمؤامرات التي تعشش في مخيلات بعض النخب العربية هو انفتاحها على شعوبها وأن تكون هي أساس التنمية والمستفيد الأول فيها والتدرج في المشاركة السياسية والقضاء على الفساد والذي هو أب وأم كل مشاكل دول العالم، فالشعوب فقيرة وطبقة متنفذة متسلطة هي من يسيطر على ثروات الشعوب كما هو واقع الحال في فنزويلا، فالنظام هناك يرفع خطاب المواجهة مع واشنطن وفي الجهة المقابلة يوجد استثمارات ضخمة لشركات النفط الحكومية الفنزويلية في تكرير النفط في الداخل الأميركي.

من هذا الطيف اليساري في تلك المنطقة من العالم هناك كوبا، على رغم الحصار عليها منذ عقود إلا أنها استطاعت إلى درجة معينة أن تقدم لشعبها خيرات بلاده وان تستثمر في العنصر البشري ونجحت إلى حدا ما، دولة كبيرة من حيث المساحة والثروات كفنزويلا تؤكد أن رفع الشعارات الرنانة ليس هو الحل السحري لمشاكلها، ولكن تسخير تلك الموارد لشعوبها والقضاء على الفساد هو من سينقذها من وضعها الفاشل، سواء أكان من يقودها من اليسار أم اليمين.