&تركي الدخيل

طلب مني الصديق، العزيز، الدكتور علي بن تميم، مدير عام شركة «أبوظبي للإعلام» أن أكتب في (الاتحاد)، عن تعييني سفيراً للسعودية في الإمارات، في اليوم الذي أتشرف فيه بأداء القسم أمام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، اليوم، الأحد، العاشر من فبراير 2019. فكانت هذه السطور، التي لا أكتبها بلغة الدبلوماسي، تلك التي ربما لم أعتدها بعد، ولكني أكتبها بلغة الإنسان العادي، اختياراً.
عندما صدر الأمر الملكي بتعييني، آخر أيام 2018، وبات نافذاً في2019، أتممت في بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة والإعلام، ثلاثين عاماً كاملة، خصوصاً، وقد بدأت ممارسة الصحافة، هواية، أشبه بالاحتراف، منذ المرحلة الثانوية. ثمة أفكار، تجتاح ذهني اجتياحاً، ولا تزوره كالنسمة. لا تطرق باباً، بل تقتلع الجدران والنوافذ.&
منها: إني جندي من جنود بلادي، وتعيين ولي أمري وقائدي، نافذ دون ريب ولا نقاش، ولكني أنتقل من مهنة الإعلام، التي لم أمارس غيرها، إلى الدبلوماسية. ورغم التشابه بين المهنتين، والتقاطع الكبير بينهما، إلا أن بينهما فوارق حقيقية، يجب أن ينساها الصحافي في داخلي، ذلك الذي يجب أن أنساه، أو على الأقل، ألا يحضر إلا بمقدار حاجة الوظيفة الجديدة له!
ولكن! كيف ينساها؟! أأحاول إقناعه؟! أم أقمعه قمعاً؟! عملياً، يجب أن أختار الخيار الثاني، بلا شك، ولكن هذا الذي ستقمعه، هو الذي صنعك، وقدمك لتكون في مكان كهذا، ولستُ ممن يجحد الفضل، أو ينكره. لن أطيل عليكم، فأنا في لعبة كرٍ وفرٍ معه، أعرف تماماً نتيجتها، لكني لن أكسره، وحاشاه!
الفكرة الثانية، أو الاجتياح الثاني: صحيح أني سفير السعودية في الإمارات، لكني وطبقاً لأعراف الدول الملكية، فالحقيقة، أني سأكون منذ اليوم، سفير خادم الحرمين الشريفين في الإمارات، أي إني أمثل الملك، حفظه الله، شخصياً!&
تعاملت في الصحافة، مع هذا اللقب، مئات المرات، لكنه لم يتسبب في عدم نومي، يوماً كاملاً، كما فعل هذه المرة! أعرف عظم المسؤولية، تماماً، ولكن، كأني غفلت عن شيء، يبدو أمامي كل يوم، وانتبهت له فجأةً، إنه والله يشهد، جعل إحساسي بالمسؤولية، يتضاعف عشرات المرات!
قبل ذلك، لابد أن أقول: إن تعييني، بما فيه من شرف، يجعلني أعانق السماء، بسبب الثقة الملكية الغالية، جعل مشاعر مختلفة تجتاحني: الفرحة بالثقة، وعظم مسؤوليتها، والتفكير المتواصل، بما يمكن أن تقدمه، مع زملائك، ليرضى الله أولاً، ثم الملك وسمو ولي العهد، حفظهما الله، ويليق بشعب وبلد عظيمين تمثلهما، المملكة العربية السعودية، وشعبها الكريم.
التكريم والتشريف الذي تفضلت به علي قيادتي، هو تعييني سفيراً لبلادي، في الإمارات العربية المتحدة، تلك الدولة التي أعيش فيها، بحكم عملي السابق، نحو عقدين من الزمان.
تشريفٌ، لأني أحبُ، بلا مواراة ولا مجاملة، هذه البلاد، وأهلها، وحكامها. فخلال عشرين عاماً، لم ينتابني أنا وأسرتي، للحظة، أننا نعيش في غير بلادنا، أو نخالط غير أهلنا.&
دخلتُ، ودخلت زوجتي، ودخل أولادي، بيوت الإماراتيين فأكرمونا، حتى أخجلونا، وشرفونا بدخول بيتنا. تقاسمنا اللقمة، والحلم، والضحكة، والأمنية، فأصبحنا هم، وأصبحوا نحن، ببساطة ودون تكلف أو تصنع.
وكأننا نمتثل أبياتاً حفظتها منذ الصبا:


قال لي المحبوب لما زرته
من ببابي؟ قلتُ: بالبابِ أنا!
قال لي: أخطأتَ تعريفَ الهوى&
حينما فرّقتَ فيه بيننا!
ومضى عامٌ فلما جِئتُهُ
أطرقُ البابَ عليه مُوهِنا
قال لي: من أنت؟! قلتُ: انظر فما
ثَمّ إلا أنتَ بالبابِ هُنا
قال لي: أحسنتَ تعريف الهوى
وعرفتَ الحبَ فادخل يا أنا!


ليست رومانسية، بل مع فخرنا العظيم بسعوديتنا، إلا أني وأسرتي، نشعر بأننا والإماراتيين، روحٌ واحدةٌ، في أجساد متعددة. هل تذكرون الضحكات، والأمنيات، والأحاديث، التي تشاركناها، منذ أعوام، ولا نزال؟!&
زادت شراكتنا متانة إلى متانتها، وقوة إلى قوتها، فقد اختلطت دماء السعوديين والإماراتيين سوياً، في حرب الدفاع عن الشرعية في اليمن. وأي رابط كالدم، يمكن أن يقوي الوشائج؟! غفر الله لشهدائنا البواسل، وشفى جرحانا الأبطال.
اليوم، ماذا يمكن أن يقدم سفيرٌ، لعلاقة بين دولتين، يمكن اعتبارهما أقوى حليفين، لا في المنطقة، بل ربما في العالم؟! يمكن أن يقدم الكثير، ولكن بالكثير من الجهد، الذي أسأل الله أن يعينني عليه، وأجزم بأن أهلي في الإمارات، الذين ما رأيت أحداً منهم خلال عشرين عاماً، إلا مرحباً بي، يعدني من أهله، أجزم بأن هذا الشعب العظيم، سيبقى، بطيبة أصله، وحسن خُلقه، ومحبته لتوجه قادته، يُقدم المزيد، من أجل تقوية العلاقة القوية.
هل هو منطقي أن نقوي القوي؟! الجواب: نعم كبيرة. فالله تعالى قال في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)، فوصفهم بأنهم مؤمنين، وأمرهم بالإيمان، تأكيداً.
إذاً، يمكننا أن نزيد المحبة، والتعاون، والأخوة، أكثر، وأكثر. ويجب علينا، أن نعلم يقيناً، أن ما نحن عليه من قوة في العلاقة، ربما لم نصلها في تاريخنا، ليست محط إعجاب الجميع، فثمة من يتربص بهذه العلاقة، وما أكثرهم، وواجبنا أن نمنعهم، من الوصول لغاياتهم. الخلاصة، أني سعيدٌ جداً بالمهمة الجديدة، وأعلم يقيناً، أنها ليست سهلة. ولكن، من قال: إن السهل مطمع الكبار، كما هو شأن السعوديين والإماراتيين، ولذلك قال عمنا أبو الطيب:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسامُ
وأختم بما قاله سيدي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مُلهم الشباب: فطموحنا عنان السماء، وأهدافنا: فوق هام السحب.

&

&