& حسين شبكشي

&

من قلب القمة العالمية للحكومات، أكتب هذه السطور بشغف يشبه طالباً يحضر محاضرات مشوقة وفضول العلم يملأ عينيه. لقاء خاطف وسريع مع التنفيذي الكبير في البنك الدولي محمود محيي الدين، أحد المشاركين في فعاليات اللقاء والمناسبة، أبدى لي فيه سعادته بالمشاركة، لجدية المواضيع المطروحة ونوعية التنظيم وتميز الضيوف والحضور. وبعدها، كان لقاء مع محمد القرقاوي، العقل المدبر لهذه المناسبة، كان يتحدث معي بكل فخر وهو يرى القمة في سنتها السابعة تصبح في مكانة استثنائية حول العالم. وقال لي: يا حسين، هل تريد أن تشاهد حكومات المستقبل؟ فأخذني من يدي ودخلنا إلى «متحف المستقبل» الذي يقدم سبع مبادرات حكومية من حول العالم في مسائل مختلفة، مثل البيئة والصحة والمواصلات، قدمت من خلالها حلول أقل ما يقال عنها إنها مذهلة. نظرت إليه وتعابير الدهشة على وجهي، ورأيت اللمعة في عينيه وابتسامة الرضا.
ثم كانت كلمة كلاوس شواب، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي لم يستطع أن يخفي إعجابه الشديد بالقمة، وقد يكون ذلك لأنه أدرك أن القمة تحولت إلى منافس عملاق للمنتدى الاقتصادي العالمي نفسه، ويذكر الناس ببدايات المنتدى الناجحة، قبل أن يتحول إلى سيرك تجاري وغول للمال فقط.
وكان حضور أنتوني روبنز، الشخصية الأميركية المتخصصة في التفكير الاستراتيجي، ليشرك الحضور الكبير أفكاره وتجاربه. وتم استعراض آراء مختلفة من رئيسة صندوق النقد الدولي، إلى وزير الطاقة الأميركي، إلى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الذي جاء يروج للاستثمار في بلاده، بينما كان وزير خارجية إيران يزور لبنان، ويدعوه لأن يحصل على السلاح والدواء من إيران. وفي غضون ذلك، يهمس في أذني وزير لبناني سابق: صواريخ إيرانية فاشلة، وأدوية مجهولة يريدونها لنا.


وجاء رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على عجالة، ليروج لبلاده، ويحاول أن يجد لها مكانة على خريطة الاستثمار في العالم، وهي ضائعة بين عملاقين: الهند والصين، ويبذل جهداً خارقاً ليقنع الآخرين بأن بلاده مغرية للاستثمار فيها، وهي مهمة جد صعبة على ما يبدو.
الطب يتقدم، والعلم يتطور، وهذا ينعكس على حياة البشر الذين زادت معدلاتهم العمرية، وهذا سيكون نوعاً صعباً وجديداً من التحديات التي سيواجهها عدد غير بسيط من الحكومات بالرعاية الصحية النوعية المطلوبة مع هذا الواقع الجديد.
المناخ والبيئة تحدٍ مثير وخطير يهدد جودة الحياة، وموارد المياه، ويجبر الحكومات على مواجهة تشريعات وسياسات لم تكن ضمن أفكارها ولا خيالها من قبل، ولكن الحكومات الحكيمة تدرك أنها لن تستطيع الإقدام على ذلك وحدها، وأنها لا بد من أن تشرك القطاع الخاص في تقديم الحلول وإنجازها.
وهناك قيم معنوية وأخلاقية تحاول الحكومات الحفاظ عليها، قيم مثل عدم التمييز العنصري والتسامح وقبول الآخر، وهي لها علاقة مباشرة بالأمن والرخاء والاستقرار، وكذلك هناك طرح عن مستقبل الصحافة والإعلام: هل تبقى حرة مفتوحة مجانية في متناول الكل، أم تعود نخبوية في متناول من يستطيع ويمتلك القدرة الاقتصادية؟ فلا الحل هو الدفع، ولا الحل هو الحظر والمنع. كيف سيتوغل الذكاء الصناعي في الإعلام، ويؤثر على صناعة الخبر، كما يحصل الآن في محركات البحث، مثل «غوغل»؟ أسئلة كثيرة تقدمها هذه القمة المميزة، جاءت بأبرز العقول لإثارتها، ومحاولة الإجابة الاستباقية عنها. جامعة مفتوحة للكبار تعيد لمتعة التعلم فرحته ودهشته، وتقدر على تقديمه مدينة مثل دبي.