&&عبدالحق عزوزي&&&

تلعب مراكز الأبحاث الفكرية في العالم الغربي دوراً كبيراً في التأثير على الرأي العام عن طريق مجموعة من الأساليب المتقنة، وإذا أخذنا مثال الولايات المتحدة الأميركية، فإن الإحصائيات تشير إلى أنها تتوافر على ما يزيد على 1400 مركز ومؤسسة تُعنى بالعلاقات الدولية، منها مؤسسات تقدم دراسات وأبحاثاً متخصصة في القضايا السياسية كمجلس العلاقات الخارجية الذي يصدر دورية شهرية (شؤون خارجية)، ومنها مراكز الضغط السياسية التي تستخدم نتائج أبحاثها للضغط على الإدارات الأميركية في صناعة القرار كمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يضم نخبة من السياسيين والأكاديميين البارزين كهنري كسنجر وهارولد براون. وهناك مراكز خلقت للدفاع عن مصالح إسرائيل، كمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي للدعاية لإسرائيل في المجالات الأمنية والعسكرية.. أو ما يسمى بالأذرع الفكرية الإسرائيلية في واشنطن. وهذه المراكز تتوافر على إمكانات مادية وبشرية ضخمة، وتؤثر بشكل جلي على السياسة الخارجية الأميركية.


أما في عالمنا العربي، فما زال عدد ودور هذه المراكز محدوداً على الرغم من وجود قدرات فكرية وكفاءات بشرية متميزة يمكنها الإسهام في التجدد المعرفي والتخطيط المستقبلي، بل ويمكنها المساهمة في التأثير على السياسات العامة الداخلية والخارجية، وهذا كنه أنشطة ودور مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي يحتفل في مارس المقبل بمرور خمس وعشرين سنة على إنشائه. فمنتديات ومحاضرات ومنشورات وتقارير المركز تعرف نجاحاً قلّ نظيره في العالم بأسره، وقد أضحت مرجعاً للمعلومات والمعطيات والتحاليل الواقعية والاستشرافية، ولا محيد عنها في الكليات والجامعات والمعاهد والمؤسسات البنكية والمالية العالمية والوزارات، ورفيقاً أليفاً للدبلوماسيين. والمركز هو دائماً على العهد بإصداراته المتتالية المفعمة بالدراسات والتحاليل، لما استجد من وقائع وأحداث، ولما يراه مسؤولو المركز والباحثون فيه جديراً بالمتابعة والنقد والاستشراف.
وقد درج مركز الإمارات على أن يكون حاضراً في النقاش الفكري وفي الإنتاج العلمي العالمي، وعلى أن يتابع الأحداث بالبحث والتحليل والتنقيب والرصد والاستشراف.. خدمةً للعلوم الاجتماعية والإنسانية. ولم يحد عن هذا الخيار الفكري الهادف منذ خمس وعشرين سنة، ومن هنا قوته. فهو لم يتخل يوماً عن عمله الفكري الدؤوب ووظيفته الأكاديمية البنّاءة في قراءة واستشراف المستقبل، بروح أكاديمية تبتغي العلمية بحرفية عالمية ورفيعة المستوى، ليجد الخاص والعام ضالته في أي باب وفي كل المجالات.&
والخيط الرابط الذي ينظم كنه كل أنشطة مركز الإمارات هو الرؤية الاستراتيجية إلى هذه المسائل جميعاً، من منظور مسكون بفكرة المستقبل، ومن هنا كلمة الاستراتيجية التي يأخذها اسم المركز.
ثم إنه دائماً ما يكون وراء مثل هذه المؤسسات أناس يجندون ذكاءهم خدمة للوطن والأمة، وعلى رأس المئات من الذين يرفعون أنشطة المركز مديره سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي.&
والأستاذ الدكتور جمال واحد من كبار المفكرين الاستراتيجيين العرب، ولا تخفى مكانته الطليعية بين أقرانه من العلماء والباحثين والأكاديميين المرموقين، ليس على مستوى الإمارات فحسب، ولكن أيضاً على صعيد العالم العربي والإسلامي والدولي، حيث استطاع أن يجعل من مركز الإمارات أحد أهم المراكز البحثية والاستراتيجية في العالم.&
نعم، إنه صاحب مشروع كتابة وفكر من الطراز المعرفي الهائل، سيبقيان مرجعاً للأجيال لا محيد عنهما، قائمين على البحث والتنقيب المعمق والمدجج بقوة الأسلوب وعظمة الفكرة والاستشهاد.
وهذا الاستراتيجي الذي أتشرف بصداقته، وكما عهدته في أنشطته ونوعية المنتديات والمؤلفات والتقارير التي يسهر عليها، له نسق فكري متقد وعلم ودراية عاليين للغاية، ما يجعله يستنبط أهم مقومات المرحلة اللايقينية ومستقبلها شبه المجهول ليصل إلى الأهداف المرجوة ويحقق الغايات المطلوبة. ولأن الرجل صاحب نظرة استشرافية، فهو يشجع الأجيال الصاعدة في وطنه والعالم العربي، ويتقاسم حصيلة أبحاثه ودراساته مع الجميع. لذا فكتاباته وتآليفه وتوجيهاته إشراقات أغنت الفكر الاستراتيجي العربي ولا تزال، معزِّزةً بذلك جسور الفهم والتحليل والبناء والتشييد.

&