FINANCIAL TIMES

اليابان .. وزير الأمن السيبراني لا يعرف كيف يستخدم الكمبيوتر

ليو لويس&&

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما اعترف وزير الأمن السيبراني في اليابان، البالغ من العمر 68 عاما، بأنه لم يستخدم جهاز كمبيوتر في حياته "ولا يملك خلفية كبيرة" عن قضايا الأمن السيبراني، كان ذلك بالطبع مثيرا للضحك.
بعد بضعة أيام، وفي الوقت الذي لم تهدأ فيه ضحكات الناس بعد، أضاف يوشيتاكا ساكورادا إلى ذلك أمرا أخرا، حين أعلن أن وظيفته الرئيسية هي أن يقرأ خطابات خالية من الأخطاء أمام البرلمان، تتضمن ردودا يعدها البيروقراطيون، قبل أن يفشل حتى في ذلك.&
مع ذلك، وبعد بضعة أشهر فقط، يبدو ساكورادا وكأنه مبتكر جريء. أو على الأقل، القائد العرضي للمبتكرين الجريئين. فهو يقف على أهبة الاستعداد لإطلاق عملية قرصنة غير مسبوقة على 200 مليون جهاز يدعم الإنترنت في مختلف أنحاء اليابان - وهي هجمة سيبرانية مبتكرة وكبيرة جدا، ومثيرة للجدل بشدة، تشنها الحكومة على المنازل والشركات، بحيث تكون اختبارا تجريبيا لمواطن الضعف في البلاد.


قانون جديد، مشحون باحتجاجات العامة حول الخصوصية المكفولة دستوريا، تم إقراره في أيار (مايو) الماضي ودخل حيز التنفيذ لتزويد الحكومة بالحق في تنفيذ عملية الاختراق وجعل هذه التجربة ممكنة. يقول النقاد إن نطاق الوصول الحكومي سيبلغ من الكبر حدا لا يمكن المبالغة فيه. إذ سيتم استهداف كاميرات الويب، وأجهزة بث الإنترنت، وغيرها من الأجهزة الأخرى في الهجوم الذي سيحدد في الأساس النسبة التي ليست لديها حماية من خلال كلمة سر مطلقا، أو النسبة التي يمكن تخمين كلمة السر التي تستخدمها بكل سهولة. في أفضل الأحوال، يقول خبراء الأمن السيبراني في "فاير ـ آي" FireEye، يمكن لهذه التجربة أن تبين تساهل الشركات اليابانية وترفع مستوى التخطيط الأمني من أقسام تكنولوجيا المعلومات إلى الرؤساء.
تهدف التجربة التي تستمر لمدة خمس سنوات، والتي تدار من خلال وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، إلى التركيز على الأجهزة التي تقع ضمن الفئة المعروفة على نطاق واسع باسم "إنترنت الأشياء" IoT - أي جهاز من بساط اليوجا الذي ينقل للهاتف الذكي الإصابات الخاصة بك، إلى روبوتات المصانع التي يتم التحكم فيها عن بعد. ومع أن خبراء المجال السيبراني يقولون إن أمن إنترنت الأشياء قد لا يكون الأولوية القصوى في مكافحة الجرائم والحرب السيبرانية، إلا أنهم يرون أسبابا وجيهة وراء اتخاذ اليابان لمثل هذا الموقف.
السبب الأول هو أن إدارة شينزو آبي جعلت إنترنت الأشياء قضية صناعية رئيسة، بحيث تمكنت من دمج المفهوم ليتغلغل تماما في رواية سياسة "المجتمع 5.0" الكبير واعتبار إنترنت الأشياء فرصة لتعزيز أهمية شركات التصنيع اليابانية وقدرتها التنافسية.
أجج هذه الطموحات توقعات "أي إتش إس تيكنولوجي" بأن العالم سينتقل من نحو 27 مليار جهاز متصل بإنترنت الأشياء في عام 2017 إلى أكثر من 40 مليار جهاز بحلول عام 2020. هناك حاجة ملحة إضافية نظرا للطرح الوشيك لشبكات الجيل الخامس 5G اللاسلكية الفائقة، وبالنسبة لليابان، أولومبياد طوكيو في العام المقبل الذي تأمل تأمل أن تظهر في براعتها التكنولوجية للعالم.


العامل الثاني هو أن عملية الدفع التي مارستها الحكومة باتجاه إنترنت الأشياء استحوذت، إلى حد ما، على خيال السوق، والشركات اليابانية تعرف ذلك. فقد أصبح هذا الموضوع يأتي باستمرار في مقدمة تفضيلات المستثمرين الأفراد، في حين ترغب شركات مثل "هيتاتشي" و"توشيبا" في مناقشة إيجابية عن استراتيجياتها حول إنترنت الأشياء للمساعدة في التخلص من الصور الكئيبة عن هاتين المجموعتين الصناعيتين.


جاء كل هذا مع تحذيرات من أن صعود إنترنت الأشياء سيعمل على إيجاد جبهة جديدة ضخمة من عوامل الضعف، ما لم يتم التعامل بجدية مع أمن "حصيرة اليوجا" المتصلة بالإنترنت، مثلا، من قبل كل من الشركات المصنعة والمستخدمين، بقدر ما يتم التعامل بجدية مع أمن مواقع المصارف على الإنترنت. تاريخيا، اعتمدت الشركات الاستشارية الكبرى المختصة بالأمن الإلكتروني، جنبا إلى جنب مع مختلف الحكومات، على مجموعة من المقاييس لحساب حجم المشكلة. تستخدم المؤسسة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة للحكومة اليابانية NICT عمليات فحص للشبكة المظلمة لتقدير تلك النسبة، من الهجمات الإلكترونية التي اكتشفتها في عام 2017، التي تبلغ 54 في المائة من أجهزة إنترنت الأشياء التي كانت مستهدفة. لكن تجربة اليابان الجديدة، كما يقول المسؤولون الذين يديرونها، تسعى إلى وضع نسبة قاطعة على عدد أجهزة إنترنت الأشياء المعرضة للخطر.
الاستفهام الكبير هو، كما يعتقد كثير من الخبراء، ما الذي سيحدث إذا كشفت التجربة عن أوجه ضعف كبيرة في جميع أنحاء اليابان. حتى تلك الصدمة قد لا تؤدي الغرض. هناك الكثير من التساهل يجب التخلص منه، ومع أن اليابان ليست وحيدة في ذلك، إلا أن كل مواقف "المجتمع 0.5" المسيطر عليها من الأعلى تجعل من الصعب التحول. حتى مع حملات الطبل والزمر التي تقوم بها الحكومة في الخلف لمصلحة إنترنت الأشياء، بحسب ما قال إتسورو نيشيموتو، رئيس مجموعة الأمن الإلكتروني اليابانية "إل إيه سي"، إلا أن الأعمال المختصة بأمن إنترنت الأشياء لم تحقق النمو حتى الآن في اليابان. ولا تزال هناك أسئلة عميقة بلا حل حول ما إذا كان ينبغي لشركات تصنيع أجهزة إنترنت الأشياء أو مستخدميها تحمل المسؤولية عن ضمان الأمن، كما توجد حالة من القلق الذي يقض المضاجع من أن عملية الاختراق الضخمة التي تعتزم الحكومة إجراءها لن تتمكن من الإتيان بحل للمشكلة.