سمير عطا الله

ما زلنا نحتفل كل عام بذكرى وفاة أم كلثوم. يومها قال محمد عبد الوهاب جملة، أو نبوءة فنية، أو حكماً لا استئناف فيه ولا تمييز:

«3 فبراير (شباط) 1975 توفي الطرب».

الطرب كلمة لا ترجمة حرفية لها في اللغات الأخرى. لها مرادفات وشروحات وأوصاف، أما الطرب بالمعنى الذي عشناه وعرفناه وأسهرنا الليالي وجمع الأمة على موعد واحد، فهذا لا مثيل له إلا مع سيدة واحدة عُرفت بلقب الست.

وعصر الست، لم يعد ممكناً. الذين كانوا يعتقدون أن أغانيها الطويلة تخدر الجماهير، نسوا أن الناس في أيامها كانت فرحة ومتفائلة ومزهوة بآمالها. وهم لم يغنّوا خلفها خدرهم ونشوتهم فقط، بل غنّوا معها معاني حياتهم وطموحاتهم وكرامتهم ورجولتهم.

الست كانت تغني للعائلة والمجتمع وصدق المحبين، فتفرش في العروق العزاء للهائمين بلا نوى، وتشارك السعداء في وعودهم، وترفع في اللسان العربي مستوى اللحن والقصيد والترانيم، وتعود بهم أبداً إلى طماي الزهايرة يوم كانت طفلة لن يعرف العرب نداً لها.

ربما نكتب الآن إلى جيل لم يعرف عنها إلا في الكتب والمسلسلات والمذكرات. وأقر بأننا لا نعرف عن ذائقته الكثير. ولسنا في معرض المقارنة بين ما يسمع هو اليوم، وبين ما سمعناه في لقاء أم كلثوم وعبد الوهاب، أو السنباطي، أو بليغ حمدي. ففي ذلك ظلم منا وظلم عليه. لكن الشيء الوحيد المؤكد في هذه المسألة، أن الطرب قد توفي في 3 فبراير 1975. لا شك أنه لا يزال هناك غناء وموسيقى وألحان وجماليات. لكن الطرب، بالمعنى الذي وضعته أم كلثوم على المسرح، راح معها.

وراحت معها صورة الفنانة التي يضعها الرؤساء والزعماء إلى جانبهم، ويقفون على خاطرها في قضايا الوطن، ويسألونها أن تضع حنجرتها وقلبها ومحبة الناس لها، في خدمة المعركة. أجل، فنانون آخرون فعلوا ذلك أيضاً. وثارت قلوب الناس مع أناشيد عبد الحليم. لكن عبد الوهاب بدا يؤدي مجرد عرض أوركسترالي، من زمن فاروق إلى زمن السادات.

أم كلثوم كانت الناس تغني خلفها. كانت تحبها وتصدقها، وكانت تكنّ لها احتراماً لم يعرفه فنان آخر في مصر. وعندما نتذكرها رغم كل هذا البعد، فلأننا لا يمكن أن ننسى فيها تلك الشخصية العظيمة، الست.